عمار محمد طيب العراقي ||
إذا أحسنا قراءة التاريخ بحيادية؛ وبعين تستطيع الربط بين ما حدث وما يحدث وما سيحدث، نستطيع التوصل بكل سهولة، الى أن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، كانت أكبر حدث في تاريخ العراق، منذ أن دخل العراق في الإسلام قبل قرابة خمسة عشر قرنا، بل ربما قبل ذلك بكثير..
العراق قبل الإسلام كان بلدا؛ من بلدان الإمبراطورية الفارسية المترامية الأطراف، وقبلها مرت به أدوار من الحكم؛ الذي يمكن أن نطلق عليها توصيف الحكم الوطني، الأكديون والسومريون والبابليون وبعدهم الآشوريين، كانت كلها "أنواع" من الحكم الوطني للعراق، لكن حكما بما يمكن عده حكما يحكم فيه العراقيين أنفسهم فيه، لم يترك لنا التاريخ قبل تموز 1958 مثالا واحدا بالتوصيف الدقيق..
حتى دولة علي بن أبي طالب عليه السلام؛ الذي اتخذ من الكوفة عاصمة لدولته، كانت دولة إسلامية كبرى والعراق كان جزء منها، وتلتها فترة81 عاما من عمر الدولة الأموية، حينما سحبت الشام فسطاط الحكم من تحت أقدام العراق، الذي تحول خلالها الى ولاية تابعة الى بلاط الأمويين في دمشق، ينصبون عليه واليا ماجنا فاسقا خليعا منهم، ثم يمضي التاريخ بنا قدما، ليأتي أغراب عن العراق هم العباسيين، ليشكلوا دولتهم التي أستمرت من عام 1029 ميلادية، لغاية العام 1258 أي أنهم حكموا لحوالي 239 عاما، لم يكلفوا خلالها عراقي واحد بإدارة أي من ملفات الحكم، بل لم يتخذوا من العراقيين شرطيا واحدا قط!
إنتهى الحكم العباسي بعد أن أجتاح هولاكو وجيوشه الملحدة بغداد، عام 1258 م، نشير هنا الى أن بغداد كان يحكمها في الثلث الأخير من عمر دولة بني العباس، المماليك الترك من البويهيين والسلاجقة، فيما الولايات التابعة لها شبه مستقلة..
يمضي الزمان سريعا لتظهر دولة العثمانيين الترك، التي أسسها عثمان الأول بن أرطغول زعيم أحدى القبائل التركية، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد من عام 1299م حتى عام 1923م، كان خلالها العراق بولاياته المعروفة تابعا ذليلا للأتراك، ولم يحصل أن كلف عراقي واحد، بإدارة شأن صغير من شؤون البلاد قط..
ليدخل بعدها تحت الإحتلال البريطاني المباشر، الذي سار على منهج "المحتلين" الذين سبقوه، وليؤسس حكما بدأه بكذبة أسم "الحكم الوطني"، فهو حكم ليس له من "الوطنية" شيء، فالملك فيصل الأول الذي عينه الأنكليز ملكا، كان حجازيا من أهل مكة، لم يرَ العراق قط قبل سنة 1920، ولا تربطه بالعراق رابطة يعتد بها، لقد كان غريبا هو الآخر عن العراق، شأنه شأن "كل" الذين سبقوه قي حكم العراق!
ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، التي أطاحت بالحكم الملكي الغريب عن العراق، كانت بداية حياة جديدة للعراقيين، فهاهم أبناء العراق يحكمون أنفسهم، لأول مرة منذ قرابة ثلاثة آلاف عام، أفلا يحق لنا إذاً أن نعد هذا التاريخ، هو الحدث الأبرز في حياة العراقيين!
إذاً نحن إزاء حقيقة تاريخية مخجلة، هي أن العراق لم يحكمه اهله لزمن طويل نسينا فيه أنفسنا، لكن ثورة تموز 1958، أزالت هذا العار عن جبين التاريخ العراقي، ويمكن لنا القول وبكل الإطمئنان، أنه وفي 14 تموز 1958، عاد السومريين الى السلطة، وحري بنا أن نحترم هذا اليوم ونحتفي به، لأنه يوم ولادة العراق السومري من جديد..
ثلاثة آلاف سنة، كانت المرأة السومرية العراقية تأن فيها بـ"الدللول"، التي يرجع عهدها إلى قدم وجود الإنسان في وادي الرافدين، على "كاروك" ولدها الملفوف بقماط وطن يحكمه الغرباء:
دلِلول يالوَلَد يا ابني دِلِلول..يُمَّه عدوَّك عَليل و ساكن الچول.. يابني يالولد يابني يا يُمَّه..
يُمَّه ترى إبني واريد رباي منَّه..ُ ثم ترد بلسان وليدها الصغير: يُمَّه اتيات الطرف لاذلھم..ترى جيت أسأل غراب البين عنھم..يُمَّه اھلنا حموله إش ضل منھم..يُمَّ ه قلبي .. إي ولله گلبي..ترى مطرور إبْطَرْ اللوح گلبي..يُمَّه تمنيت طارِشْھُم يجيني..خويا وتسايله وتنام عيني
يُمَّه تسايله ويبطل ونينه.. جبتيني للـ"ضيم "يا حبيّبه يا يُمَّه..
ولأن ثورة تموز اسست أول حكم وطني عراقي..إبتدأ من يومها الضيم العراقي من جديد..!
ــــــــــــــــ
شكرا
15ـ تموز ـ 2020
https://telegram.me/buratha