المقالات

ألواح طينية؛ من قلب تاريخ العراق رأسا على عقب؟!  

1617 2020-07-15

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||

 

بصرف النظر عن الدماء البريئة التي أريقت صبيحة يوم 14 تموز عام 1958، وخصوصا دماء نساء وأطفال العائلة المالكة، إلا إن ثورة تموز حققت منذ أول لحظة حدوثها، نتائج كبرى على المديين الإستراتيجي والتكتيكي..

أول تلك النتائج؛ أنها أوقفت تطور حالة غريبة في إنشاء أنظمة الحكم، وهي أن تنصب عائلة غريبة عن وطن ما لتحكمه!

العائلة الهاشمية التي حكمت العراق منذ مطلع القرن العشرين، هم من أبناء الشريف حسين، حاكم مكة المكرمة آنذاك، والتي أختير أحد أفرادها ( فيصل بن الشريف حسين)، ليكون ملكا على سوريا أول مرة من قبل البريطانيين، مكافأة له لإسناده بريطانيا فيما سمي حينها بالثورة العربية الكبرى، وهي مجموعة تحركات عسكرية، لقبائل عربية ساندت البريطانيين، في إزالة الدولة العثمانية التركية، التي حكمت المناطق العربية، وبضمنها العراق أكثر من خمسمائة سنة، لتزول في نهاية المطاف تلك الدولة التي أدعت الخلافة الإسلامية، ويحل محلها الإحتلال البريطاني للعراق والجزيرة العربية، والإحتلال الفرنسي لبلاد الشام..

الفرنسيين طردوا "فيصل"العميل البريطاني من حكم سوريا، وأسسوا انظمة موالية لهم، وبريطانيا بقيت ملتزمة تجاه عميلها فمنحنه العراق نحلة له وللذين خلفوه ولأولاده، وكأن العراق ليس فيه رجال يستطيعون أن يحكوا بلادهم!!

في 14 تموز 1958 أنتهى هذا الوضع الغريب، وبدأ أول حكم وطني عراقي، وما قبله لم يكن ثمة حكم وطني في العراق، فقد كان حكما هو الذي وصفناه آنفا..غرباء يحكمون بلد لا ينتمون له ابدا، سواء الأتراك أو الأسرة الملكية الهاشمية!

هكذا يمكن تنحية بعض الدوافع الإنسانية، التي تتقزز من القتل وترفضه، وأن يحاول من يكتب التاريخ أن يتقبل الفكرة، لأنها ضرورية لإنهاء وضع ليس صحيحا، لاسيما أن حكام ثورة تموز كانوا أول عراقيين، حكموا العراق منذ طيب الذكر حموراقي..!

فيما تلا من أيام بعد الثورة، شعر الفقراء أن لهم من يحميهم من جور الإقطاع، وهو وضع حول فيه الذين تملكوا العراق بأسم النظام الملكي، معظم الشعب العراقي، الذي كان نظامه الإقتصادي زراعيا  بالدرجة الأولى، الى عبيد في أرضهم، وفقا لنظام الإقطاع وهو منح أرض العشائر الى زعماء العشائر، الذين تحولوا الى أقطاعيين ملكوا الأرض والإنسان، في نظام زراعي يعتمد القنانة والعبودية، وتملك أفراد العائلة المالكة الغريبة عن العراق، ملايين الدونمات التي منحت لهم ملكا صرفا..وأنتهى هذا الوضع بقانون الإصلاح الزراعي الذي سنته الثورة وطبقته فورا وبجرأة وشجاعة .

في ثورة الرابع عشر من تموز، إستعاد الفلاح حريته، ولم يعد عبدا يعمل في أرضه؛ وبالتوازي مع هذا الإجراء العظيم، الذي قام به الثوار من الضباط الأحرار، الذين تزعمهم عبد الكريم قاسم، بدأت عملية أكبر لإستعادة الثروة النفطية العراقية، من الشركات البريطانية والأمريكية، وسُن قانون رقم 80 لتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية,..

ثمة إجراء قامت به الثورة هو الأهم على الإطلاق، وما تزال آثار هذا الإجراء تحصد إيجابيات لا حدود لها..فقد نمت حويصلات لسكن عشوائي للفقراء في مدينة بغداد وأطرافها، وتعود أصول هؤلاء الفقراء الى جذور فلاحية، هربت من جور الإقطاع وظلمه في الوسط والجنوب، باحثة عن فرص عمل بلا خضوع لعبودية شيوخ العشائر، فجاءوا الى بغداد العاصمة، بحثا عن حياة أفضل وعيش بكرامة..

بغداد في العهد الملكي لم تمنح هؤلاء غير بيوت الصفيح والصرائف، في الشاكرية والوشاش وأطراف الكاظمية في الكرخ، وماطق الميزرة والعاصمة والصليخ وتل محمد في الرصافة..

الناس الذين هم في عمري يعرفون أين تقع هذه المناطق اليوم..! أما فرص العمل فقد كانت كمتطوعين جنود في الجيش والشرطة، لمن يعرف القراءة والكتابة منهم، وفي الأعمال التي تتطلب جهدا بدنيا شاقا، لا يقوى عليه أبناء بغداد المتحضرين، الذين يترفعون عن القيام به..ونمت ظاهرة الشروكَية..!

كلام قبل السلام: ثورة تموز قامت بتوزيع آلاف من قطع الأراضي السكنية في جانبي بغداد، لهؤلاء الفقراء، وتشكل أكبر وجود لـ"الشركَوية" في قب العراق، وتغير بذلك الوجه الديموغرافي لبغداد الى الأبد، لصالح " الشروكَية"الذين "صادف" أنهم "شيعة",,وذلك هو الإنتصار العظيم الذي قلب تاريخ العراق رأسا على عقب..!

سلام..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك