منذ تأسيس الدولة العراقية أخذ شيعة العراق على عاتقهم شعار الوطنية لينعم بقية اخوتهم بالوطن؛ فبعد ثورة العشرين وابتعاد اغلب الشيعة عن مراكز القرار في العهد الملكي محتفظين بوزارة المعارف، تاركين وزارة الداخلية التي تعني رئاسة الوزراء لاخوتهم السنة؛ منذ ذلك الحين الى لحظة استشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم، كان الشيعة يطبقون شعار ( لكم الحكم ولنا العلم) بحسب العلامة محمد حسين الاعرجي في كتابه ( في الأدب وما إليه)؛ لكن بعد شباط الأسود عام ١٩٦٣ تحول الشعار ليكون ( لكم الحكم ولنا اللطم) وهكذا بقي ( حسين) في ضمائرنا إلى آذار عام ١٩٩١. في هذا العام تحديداً لم يعد الحسين ضميرا مستترا بل تحول إلى راية واضحة بعد انكسار كل حواجز الخوف؛ فانقض الجنوبيون على أعتى الدكتاتوريات في العالم وكادوا أن يمحوا ذكرها لولا (سقيفة) صفوان وتفاصيلها المعروفة. خسر الجنوبيون الوطن والعلم ولم يبق لديهم سوى هاجس الوطنية إلى أن ترنح الصنم الرملي في ساحة الفردوس لتبدأ مرحلة جديدة من التنفس الحذر. جاء بريمر وكأنه يحمل دراسة نفسية عن واقع المتصدين للسلطة فمنحهم فرصة شهر حكم لكل شخص ليشبع غريزة الراغبين في الكرسي؛ وبعدها صارت الجمعية الوطنية واشتعلت نار الطائفية ولم يهدأ بال المواطن العراقي حتى لحظة كتابة هذه السطور. وبين ممول للخيبة ومصدّر للخراب، وبين واقع مرير عاشه الجنوبيون وقود الحروب والوطنية، شعر بعض المعوزين المهمشين بحاجتهم للوطن، فرفعوا شعار ( نريد وطن) فركب موجتهم من يملكون الوطن ليلوثوا وطنيتهم ويجعلوهم يخسرون الوطن والوطنية معاً!!. فلقد خرج الجنوبيون من أجل الوظائف وحصلوا على حكومة أغلبها من ناشطي التظاهرات ليقولوا للشعب لا توجد تعيينات؛ وقد خرج الجنوبيون يريدون (وطن) فوجدوا الحكومة التشرينية تسلبهم الوطن وتضرب رمز هيبته؛ فقد عاد البيشمرگة إلى كركوك وديالى، بينما صار رموز هيبة الوطن عرضة للقصف الأجنبي والاعتداء الحكومي وأعني ( ماجرى مع الحشد الشعبي) وما جرى من قمع التظاهرات الرافضة للاحتلال بعد أن قامت السلطة بغلق منافذ بغداد بوجه حماتها الذي ضحوا بابنائهم كي تبقى بغداد عصية ضد الظلام الصحراوي الداعشي. ثم ماذا؟ كان المواطن العراقي قبل حكومة السيد العبادي الممهدة لكل ما نعيشه اليوم، كان المواطن يستلم راتبه بانتظام ولم يتعرض احد لحقوقه التقاعدية ولم يتعرض التعليم لتدخل سافر وتسيس مثلما جرى في جامعة واسط حين اضطر السيد العبادي ووزير التعليم العالي للخروج من باب الطوارئ بعد أن هاجمته جموع الطلبة. والآن، وبعد استباب الأمور للحكومة التشرينية بدأنا نعيش حياة ( الأكشن) وترك الوزراء مسؤولياتهم وعادوا إلى مهنتهم السابقة التي اوصلتهم إلى كرسي الوزارة؛ فأخذ وزير الثقافة يستعرض انتصاره على إصابته بكورونا بعد ثلاثة أيام من إصابته، وهو الأمر الذي أدى لانتشار الوباء في الوزارة دون أن يتعرض الوزير للحجر الصحي ولا الفيسبوكي، ولم يكتف بهذا بل عاد ( مدوناً فيسبوكيا بامتياز) لاسيما في تناوله لحادثة اغتيال شغلت البلاد ليحدد نوعها بأنها اغتيال سياسي وكأنه ضابط تحقيق!. في هذه الأثناء وحتى ظهور هذا المقال لم يستلم اغلب موظفي وزارة الثقافة رواتب حزيران وهاهم يقتربون من استحقاق رواتب تموز. هكذا صار بنا، لأننا أردنا وطناً فاعطيناه لمن لا يحسنه. نريد كرامتنا فقط ولقد قال علي العالمين : ليس بلد بأحقّ بك من بلد، خير بلاد ماحملك. نريد وطنا يحملنا بعد أنقض ظهورنا حمله.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha