عمار محمد طيب العراقي ||
لا يمكن تقرير وحماية مصائر الأمم؛ بالعواطف والأنفعالات، ولا بجيوش الفيسبوك وزرازير تويتر، بل يتم ذلك بالتخطيط المسبق المتقن؛ والإدارة العليا المالكة للإرادة المبرمة المتعقلة، ولمسؤولية القرار، وبوجود الأذرع القادرة على تنفيذ كل ذلك.
التخطيط في مجال مصائر الأمم؛ لا يعد تخطيطا، إذا كان للأحداث الأنية أو للمديات المتوسطة، بل يتعين أن يمتد من ماض؛ له مساحة مؤثرة في التأريخ وحركته، ويصاحبه فهم وإستقراء؛ وتعامل إيجابي فاعل مع معطيات الحاضر؛ بأناة وواقعية متعقلة، ممزوجة بقدرة فائقة؛ على إتخاذ القرار المناسب؛ في الزمن المناسب للمكان المناسب.
سلطة القرار ولتحقيق ذلك؛ يجب أن تعرف ما تمتلك من نقاط قوة، وأن تتقصي ما يعتري منظومتها من ضعف ووهن، ثم بعد ذلك تنتقل الى تحديد الوسائل والأدوات، لينفذ بواسطتها؛ ما تم الإستعداد والتهيؤء له عبر تخطيط مسبق محكم.
التنفيذ يسبقه حظور الإرادة، التي تعني أختيارا دقيقا للهدف، خصوصا إذا ما تعلق ذلك بمصير الأمة، وأن يتم بسقوف واقعية، وفق الإمكانات المتاحة أو المتوفرة، مع حساب عامل الزمن للإنطلاق نحوالتنفيذ والمواجهة.
تحتاج هذه الحسابات الدقيقة، لقيادة تمتلك رؤية واضحة صحيحة متكاملة؛ لما حدث وسيحدث وما تريد، وتحت يدها أدوات مستعدة فاعلة قوية، من رجال عقائديين إكفاء؛ على بصيرة من أمرهم، مندكين بقيادتهم، هذا إذا كانت قيادة البلاد عقائدية، أما إذا لم تكن كذلك، فتتحول الى أداة تنفيذية لمديات قصيرة، ولا مستقبل لها في صناعة المستقبل إلإ بقدر المنجز اليومي، الذي غالبا ما يكون مشبعا بالأخطاء البشرية..!
في معركتنا مع الدواعش الأشرار، كانت المرجعية الدينية هي القيادة الشرعية للأمة، بإمتدادها التاريخي العميق وفعلها، تستند الى منظومة بناء شامخ باذخ العمران، متمثلا بإعتقاد راسخ بأن مصير الإنسانية منوط بالخالق، وأن رسالة الإسلام؛ تعني التسليم التام والعبودية له جل في علاه، وأن هذا التسليم والعبودية فعل إيجابي، مثخن بالإستعداد والعطاء، وليس إستكانة المهزوم المتخاذل.
ما سوى المرجعية من "قيادات" سواء كانوا في الدولة أو في القوى السياسية، ليسوا إلا "زعامات" على قدر حالها، والبون شاسع جدا بين القيادة والزعامة، لذلك فإنه ولزمن شغل معظم تاريخ الأمة، كان من هم تحت قيادة وتوجيه المرجعية الدينية، يبنون أنفسهم بناءا مرصوصا محكما، وكانوا يواصلون إستعداداتهم وبلا هوادة أو كلل، ضمن مسار الإعلان المرتقب لدولة العدل الإلهي.
مع التسليم بحتمية تحقق دولة العدل الإلهي، وإن طال الزمن؛ فإن هذه الحتمية لا تعني الركون الى الإنتظار السلبي، لذلك فإن المرجعية الدينية؛ حينما أستشعرت أن مشروع دولة العدل الإلهي، معرض لأخطار جسيمة يمكن أن تؤخر تنفيذه، أطلقت فتوى الجهاد الكفائي، لمقاومة تلك المخاطر، المتمثلة بظهور شيطان داعش، هذا الشيطان الذي صنعه الأمريكان إعداء الأمة، وكانت المرجعية الدينية مطمئنة تمام الإطمئنان، أن فتواها ستجد من يتدافعون لتنفيذها، وأنهم سيذهبون بها الى حيث النصر المؤزر.
لم تكن فتوى الجهاد الكفائي "ردة" فعل آنية، بل هي "قرار" إستراتيجي كبير، مرتبط بمشروع "هيهات منا الذلة" الحسيني، وأن هذا القرار تحقق نتيجة تراكم كبير للخبرة، وكان كل ما سبق من أحداث وحوادث؛ في العراق والمنطقة قبل صدور الفتوى، محط إدراك عميق ومراقبة دقيقة من قبل المرجعية، التي كانت تعي حجم المؤمرات الخارجية التي تحاك؛ بقصد إنهاك العراق وتقسيمه، بسبب كونه الحيز الجغرافي الأول لدولة العدل الإلهي المرتقبة، فجاءت الفتوى بمثابة ضربة وقائية، ثمرتها الإعلان عن تشكل جيش قوي؛ برجاله وعقيدته هو الحشد الشعبي.
الحشد الشعبي أذاً ليس وليد حاجة آنية، بل هو وليد عمل طويل مثابر، ونتاج إعداد عقائدي أستمر لأكثر من 1400 سنة، فهو موجود في ضمير الأمة، لذلك فإن الحشد لن يكتفي بالقتال دفاعا عن الأمة، بل سينهض بمهمة بناء دولتها بكل تفاصيلها، ورجال الحشد الذين حملوا الراية لن يسلموها إلا الى صاحبها؛ في زمن نراه قريبا ويرونه بعيدا..
على هواة "الزعامة"، من "متزعمي" عدة أنفار من المرتزقة والمطبلين، وعلى الدولة ككيان تنفيذي، أن تعي حجم دورها في مستقبل العراق، وعلى الحكومة أن تركن الى الحقائق المنطقية، الدولة لا يحميها مدونين فيسبوكيين وتويترية، بل لها حشد الله المقدس، وليتوضأ جيش الذباب الأليكتروني، سواء العلمانجي او المرتزق المتملق لجهات عديدة، عندما يأتي أسم الحشد الشعبي..!
شكرا
7/7/2020
https://telegram.me/buratha