محمد وناس ||
في زمن البعض يسميه الزمن الجميل سنة 1996 , شوارع مقفرة وناس يسيرون كأنهم ضربوا على رؤوسهم يترنحون , ملابسهم بقايا ملابس , اسمال غيرت لونها ليشابه لون الصداء المحمر من اثر الشمس
الجوع وباء طال كل البيوت , حتى اصبحت اجرة العامل لا تكفي وجبه واحدة لشخص واحد , والموت يرتدي بدلته الزيتونية الرسمية يتجول في الطرقات يبحث في وجوه الناس التي انهكها العيش , يتنصت خلف الشبابيك , اصدقاء الرئيس يكتبون التقارير كل يوم (( الشاب فلان يصلي كل يوم في مسجد المدينة .,,,,,,, والشيخ فلان يملك جهاز تسجيل يستمع منه الى كاسيت فيه قصيده حسينية او محاضرة للشيخ الوائلي ,,,,, فلانه ترفع فوق بيتها رايه سوداء في المحرم )).
في احدى ليالي شهر رمضان الاخيرة من تلك السنة اخذني احد الاصدقاء الى النجف , لتكون المرة الاولى التي التقي بالسيد السيستاني .
في احد ازقة النجف المتعرجة . زقاق ضيق لا يبعد كثيرا عن مرقد امير المؤمنين , بيت صغير متهالك قديم سقفه من خشب قديم . بلا تشريفات او استعلامات او استقبال وبساطه في كل شيء ,
رجل نحيل يجلس على ركبتيه على سجاده بسيطة بلباسه الديني المعروف
لا اجد كلمة مناسبة تصف هذا الرجل وتفي حقه , غير كلمة محمد حسنين هيكل عندما التقى الامام الخميني اول مره في كتابة مدافع اية الله يقول . ( فاذا بشخص كانه علي ابن ابي طالب او احد اصحاب علي ) , يغلب الشيب على لحيته الكريمة فتحسب ان الفجر قد اشرق من ملامح وجهه .
عيون استولى عليها الحزن لا يزال اثر البكاء واضحا فيها ,
هدوء يستولي على المكان يشعرك انك في حظرة ولي من اولياء الله . يستولي على جوانحك يستولي على تفكيرك , تتوقف كل الاشياء من حولك لتحلق مثل كوكب معتم يدور حول الشمس بسكون مطمأن .
نشوة غريبة , سعادة تجتاح الروح . تبحث عن مصدرها فلا تجد الا عيني هذا الرجل تمد ما حولك بكل هذه السعادة مع كل الحزن الذي يعتريها .
ما سبب كل هذا الحزن في وجه السيد السيستاني ( بلا شعور سالت احد الشيوخ الجالسين بقربي ) ... الا ترى كيف يسير الجوع في الطرقات والموت يداهم الناس بسبب او بلا سبب , وهذا السيد يعيش بينهم يستشعر الم كل فرد فيهم . هو امتداد علي عليه السلام فيهم . انه ابو العراقيين . يكفيك هذا سبب لتعرف حزن السيد ؟؟ ..
لم تأخذ كلمات الشيخ اثرها في نفسي , ولم ادرك عمق حقيقة هذا السيد . ولم اكن مهتما كثيرا في البحث عن شخصية السيد السيستاني في تلك الفترة مع كل ما عشته من مشاعر في تلك اللحظات التي رزقتني الله ان اكون في محضر هذا العبد المخلص لله وللعراق حتى سقط تمثال الموت المباح وسقط صدام ونظامه . ومع كل الاحداث القاسية والصعبة التي مر بها العراق بعد 2003 الى اليوم يبقى يوم 9/ 6 . ( يوم سقوط الموصل ) هو الاصعب والاكثر وقعا في نفسي وفي نفوس كل العراقيين .
عندما بلغت القلوب الحناجر , وعاد الخوف والموت يستولي على الشارع .
لم يخطر في عقل او تفكير اي انسان مهما كان نضجه الفكري ومعرفته ما الذي يحمله الغد لنا .؟؟؟ .
ما الذي يمكن ان يحصل . ؟؟ , وكيف نتصرف ؟؟
حاله من التخبط العجيب .!!! فداعش على ابواب بغداد , وعلى بعد بضع كيلو مترات عن كربلاء والحلة .
كثيرون حزموا امتعتهم والبعض حجز في اول رحلة مسافره ..
في لحظه غياب الوعي تلك . كان صوت السيستاني حاضرا من صحن الامام الحسين ليكون ترياق لجرح وطن . ويعيد المعادلة الى وضعها الصحيح .,
اعاد للفرد العراقي إحساسه بعراقيته احساسه بالوطن .
اعاد لهذا الشعب وجوده , فاخرج اجمل ما فيه من ايثار وفداء وتضحية .
في تلك اللحظة وانا اشاهد ملايين العراقيين يتوجهون الى مراكز التطوع ليسجلوا اسمائهم كمتطوعين وما تلاها من احداث وتضحيات قدمها كل العراقيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ايقنت ان السيستاني رجل بحجم وطن ..
اللهم احفظ السيد السيستاني
https://telegram.me/buratha