قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
بدءا لابد من التمييز بين معنى مفردتي "الذكاء" و"الدهاء"، إذ غالبا ما يحصل خلط بين المفردتين، فيعتقد كثيرين أن الدهاء فرع من الذكاء، والحال غير ذلك قطعا!
الذكاء يعني سرعة تصور المعاني الغامضة، وسهولة نفوذ الفكر إلى المقاصد الخفية، بمعنى أدق أن الذكاء نتاج البصيرة النافذة، لكن إستخدام الذكاء في غير موضعه، بلا بصيرة لعواقب الأمور، وبتصور أن هذا من الدهاء وجودة الرأي، التي تمكن السياسي من أن يدير نظاما بالمشي في خطوط متعرجةً، فإذا اعترضته عقبة كؤود؛ وقف في حيرة أو رجع على عقبه يائسا!
الأذكياء هم من يميزون بشكل واضح، بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، بعكس الأغبياء الذين لا يميزون بين واقعهم وإمكانياتهم، فتلازمهم نشوة المكابرة والعناد، ولا يوجد إنسان ذكي بالفطرة، أو غبي بالسليقة، فكلا الصفتين فينا جميعا، ويتعين علينا إذا كنا نتمتلك العقل ونستطيع "تشغيله" على نحو سليم..أن ننحي الغباء وننمي الذكاء..
ولأن السياسي كائن عاقل؛ فمن الطبيعي أن يتصف بإحدى هاتين الصفتين، فإما أن يكون سياسياً ذكيا،ً يتعامل مع واقعه بعقلانية وفطنة وبصيرة، وإما أن يكون غبياً ويتصرف بغبائه ليدمر كل ما حوله، فقط لشعوره بأنه بات قادرا على فعل المستحيل.
من أهم أشكال الغباء السياسي العناد والمكابرة تحت عنوان الدهاء السياسي؛ الذي أدى الى عدم الاكتراث بالواقع وحقائقه، والرفض الدائم بتشدد ودون منطق مقبول، وعدم قبول الحوار وسماع الآخر.
لذلك تجد أن معظم مَن يدعون الدهاء السياسي، يتصفون بالغباء السياسي؛ وينتهجون طريقة العناد والمكابرة، ينتهي بهم الأمر إلى الهلاك. معظم ما نراه اليوم في واقعنا السياسي العراقي، يمتاز بالمكابرة والعناد، وعدم قبول الآخر واستخدام سياسة القوة والبطش بالخصوم، وتسقيطهم سياسيا، وأحداث الفوضى التي نراها اليوم بشكل غير مسبوق، وفقاً لمبدأ “أنا ومن بعدي للطوفان”، الأمر الذي أبعدنا عن بناء دولة المؤسسات، ودمر اقتصادها وتاريخها ومؤسساتها.
المحصلة أن الداهية يسير في خط منحن أو منكسر، ولا يبالي بطول المسافة لإدراك الغاية المطلوبة، ومن لم ينظر في الشأن العام بفكر ثاقب، ضاعت من بين يديه كثير من المصالح، ووقع في شراك الخداع والتظليل الذاتي.
السياسة فنون، ولا بدّ للدهاء في عمل السياسي، والبراعة في كل فن، تكون على حسب الأخذ بمبادئه، والتدرب في مسالكه، فهذا عسكري خبير بسياسة الحرب، لكن بصيرته في السياسة المدنية عشواء، وآخر يدير القضايا الداخلية في أحكم نسق، لكنك إذا دفعته لخوض الشأن الخارجي، ضاقت عليه مسالك الرأي، وربما جنح إلى السلم، فيما الحرب أشرف عاقبة، أو أَذّن بحرب، بينما الصلح أقرب إلى مصلحة الوطن.
لا يملك مزية الدهاء في السياسة، إلا من كان في استطاعته كتم عقده النفسية؛ من غضب وسرور ومودّة وبغضاء، و
ما جرى من قيام جهاز مكافحة الإرهاب، بمداهمة مقر رسمي للحشد الشعبي، وإعتقال مجموعة من المجاهدين هناك، بأوامر من سلطة تسير بخط متعرج، أمر بعيد جدا عن الذكاء، وهو أقرب الى الغباء، لأنه تصرف إفتقر الى شعرة الدهاء، فكشف بشكل مبكر عن نوايا غبية، تضمرها السلطة تجاه الحشد الشعبي، مع أنه أحد أجهزتها، ولولاه ما قامت الدولة، ولن تقوم في قادم الأيام والسنين..!
كلام قبل السلام: أحكم ما قالته العرب هو لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
ولــربـمــا اخـتـزن الـكـريـم لـسـانـه حـــذر الــجــواب و إنــه لـمـُـفـَـوَّه
ولربـمـا ابـتـسـم الــوقــور مــن الأذى وفـــؤاده مــن حـــره يــَــتـَـــأوَّه
سلام..
https://telegram.me/buratha