سعد الزبيدي* ||
لا يخفى على الجميع أن أنظمة الحكم متعددة ومختلفة باختلاف الأمم والشعوب ومن الغريب جدا أن الإسلام لم يقدم نظرية في نظام الحكم بل كانت هناك وصايا مثل مبدأ الشورى وطاعة ولي الأمر .
فهل كان الإسلام راضيا بمبدأ الممالك والامبراطوريات وترك اختيار نظام الحكم للمجتمع ؟!!!
سيقول البعض أن مبدأ الحكم بأمر الله الديني هي الأقرب للإسلام غير أني اجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وضع أسس النظام المدني عندما وصل المدينة وخط وثيقة تحفظ فيها حقوق المسلمين وغير المسلمين وفيها تنظيم لأمور حياتهم .فهل يصلح نظام حكم ناجح في كل المجتمعات ؟!!!
طبعا الجواب كلا لأن لكل أمة تركيبتها الاجتماعية وتركيبتها النفسية وموروثها الفكري والتأريخي وانتماءها الديني والعقائدي ولذلك نرى أن نظام الحكم ليس هو المشكلة الأكبر قدر مناسبة لهذا الشعب أو ذاك .
والمجتمع العراقي مجتمع قبائلي سواء كان شيعي سني كردي ومجتمع فيه تنوع كبير جدا من حيث الديانات والمذاهب والقوميات من الصعب الوصول إلى نظام يستطيع أن يحكمه الا نظاما قويا (دكتاتورية عادلة ) .
قد يستغرب الكثير من هذا النظام فعلى مر التأريخ العراقي نجد أن العراق حكم بالسيف والنار وربما في هذا كثير من الظلم والتهميش ومصادرة الحقوق ولكنه كان الانجع في بناء دولة قوية السبب بسيط جدا لأن الشخصية العراقية صعبة الانقياد وفي تركيبتها تبحث دائما عن قدوة أو حاكم قوي تلتف حوله انظر حولك العشيرة تلتف حول الشيخ القوي حتى وإن كان فيه الكثير من السلبيات ولكنها تجد فيه شخصا يفرض هيبته وحضوره ويستطيع أن ينتزع حقوق أبناء العشيرة بقوته وشجاعته وحكمته وحضوره وقوةشخصيته ولذلك تشريح الشعب اولا اهم من اختيار النظام .
والشعب العراقي الآن في ظل تراكمات عقود من حروب ودكتاتورية وأمية وجهل وفقر وتخلف مجتمعا لا يصلح الديمقراطية ولا تصلح له تستذكر هنا أن الرومان كانوا يستبعدون العبيد من الانتخابات والعبيد هنا اليوم ( الاميين من الفقراء والجهلة والمتعصبين ) لا يصلحون للانتخاب فهم سببا مباشرا في اختيار السيئين لقصورهم الفكري وهم أشد خطراً من الساسة الفاسدين أنفسهم لأنهم الأغلبية وللأسف الشديد ف١٠ مليون تحت خط الفقر من سكنة العشوائيات ومن السذج والفقراء والمعوزين لا يعون أهمية صوتهم لذلك هم يبعونه بأبخس الأثمان ويعيدون الكرة واحدة تلو أخرى .لذلك عجز الفكر العربي عن إيجاد نظام الحكم خارج المألوف الذي اخترع لنا نظرية الجماهيرية وهي لا تبتعد عن النظام البرلماني الا في التسمية .
فهل الإشكالية في تقتصر على الحاكم ام هي تتوزع مناصفة بين الحاكم والمحكوم ؟!!!
الإنسان بطبيعته يبحث عن العدل ولا يهمه نوع الحكم سواء كان نظاما برلمانيا أو رئاسيا أو ملكيا أو اميريا أو سلطانيا أو عسكري ...الخ .
انا أعتقد أن الغرب استطاع أن يصدر لنا فكرة الديمقراطية بذكاء لأنه يعلم أنها ستولد الفوضى وتدمر الشعوب أن الديمقراطية التي نراها في اوربا خاصة كانت نتيجة لحروب امتدت خمسة قرون استطاعت القوى السياسية أن تشخص مواطن الخلل وابعدت.المؤسسة الدينية عن السياسة ثم وضعت قوانين تنطبق على الجميع فلا فرق بين رئيس ومرؤس الا بالعدل لذلك شعوبنا حينما ترى رئيس جمهورية أو رئيس وزراء يذهب لوظيفته بالدراجة الهوائية أو تراه يتجول في الأسواق بلا حماية لا تستوعب ولا يستوعب مسؤولينا أن المنصب وظيفة لخدمة الوطن والمواطن فهل نستطيع فعلا أن نبعد المؤسسة الدينية عن السياسة حتى وأن طلبت هي ذلك ؟!!!
طبعا لا لأننا بمورثا الفكري والاجتماعي والديني نعامل البعص وكأنهم معصومون فقد عامل كثير من أبناء الشعب (خاصة الطبقة الفقيرة الساذجة) بعض الشخصيات الدينية وكأنهم أنبياء أو رسل أو معصومون فهم يطبقون كلام هؤلاء وتوصياتهم بحذافيرها حتى وإن كان من يصدر منه التوصيات متقلب مزاجي لا يثبت على قرار واحد ودليلنا على ذلك أن هناك الكثير من الذين أرادوا الإساءة للدين الحنيف والمذهب باستغلالهم الدين فهناك الولاية للقاعدة وداعش وهنا الحركات الدخيلة بدء بحادثة الزرگة في النجف وحركات أخرى تدعي اتباعها ابن الحجة وحركة المولوية وكلها حركات تخريبية تريد الإساءة المذهب وهناك غيرها كثير .
ومابين الحاكم والمحكوم بون شاسع فمعظم بل اغلب المسؤولين في العراق يعتبرون المنصب غنيمة من أجل حصد اكبر المكاسب بشتى الطرق الهدف الوصول للكرسي من أجل الحصانة واستغلال المنصب من أجل الوصول للثروة بأقصر مدة ولذلك لاحظنا دخول كثير من رجال الأعمال لعالم السياسة لقناعتهم أن السياسة نوعا جديدا من أنواع التجارة في العراق والكسب السريع .لذلك الخلل طبعا ليس في نظام الحكم بل في المنظومة السياسية القاصرة عن فهم أن المسؤولية والوظيفة هي من أجل خدمة المواطن لا من أجل الاختباء خلف كتل كونكريتية ومواكب بسيارات مدرعب والاحتماء بكلاب بشرية والتعالي على الناس حتى وجدنا أن الشعب والقانون في خدمة المسؤول الذي صعد على كتاف الشعب وتاجر بآلامهم وعوطفهم وعزف على الوتر الطائفي تارة وعلى الوتر القومي تارة وعلى معاناة الجماهير تارة أخرى وتجده قد تنصل عن وعوده عندما أصبح جزء من المنظومة السياسية التي كان يصفها بالفاسدة والفاشلة .
فهل الانتقال من نظام حكم لآخر هو الحل ؟!!!
قبل أن تشرع في جواب هذا السؤال لابد أن نعرف جيدا أن الاقتصاد (المال) هو من أوجد السياسة لذلك هناك علاقة وطيدة بين السياسة والاقتصاد وإذا كان النظام الاقتصادي ناجحا في بلد ما فهذا يعني بما لا يقبل الشك أن النظام السياسي ناجح والعكس صحيح ولذلك لابد من نظام اقتصادي يتلائم مع طبيعة المجتمع ومع موارده الطبيعية والبشرية إضافة إلى موقعه على الخريطة وقبل هذا وذاك ومن أجل البحث عن نظام ناجح يتلائم مع المجتمع لابد من توفر عدة مرتكزات أولها أن يتمتع المجتمع بقدر من الحرية وليست الحرية التي تؤدي الفوضى ثانيا وجود نظام قضائي عادل وشديد ولابد من توفر البيئة الصالحة كنظام تربوي وصحي واجتماعي سليم مع توفر خدمات متساوية للجميع والقضاء المبرم على الأمية والأوبئة وتوفير فرص عمل للجميع وطبعا هذه المجتمعات ليست جمهورية افلاطون ولا المدينة الفاضلة لكنها امم وشعوب توفرت لها ظروف ملائمة وقيادات وطنية حكيمة لديها رؤية حقيقية للواقع ورؤية مستقبلية اعتمتدت على منهج التخطيط للنهوض لشعوبها وزرعت الوطنية والولاء للوطن اولا وقبل شيء .
بعد أن فشل النظام البرلماني في العراق هل سيكون النظام الجمهوري هو الحل الامثل ؟!!!
طبعا لا فالمشكلة الكبرى في دستور خطته يده تريد الشر للعراق ومع دستور مكوناتي يحرض على المحاصصة لن تقوم قائمة العراق .
الحل يكمن في تغيير الدستور جملة وتفصيلا حتى يكون دستورا يكتب على اساس المواطنة لا على اساس المكونات يحفظ حقوق الجميع يتساوى فيه الوزير والفقير مع خطط اقتصادية آخذة بنظر الاعتبار الخروج من مديونية صندوق النقد الدولي التي تتحكم بالتعيينات ودعم بعض السلع وإقامة المشاريع إذن لابد من خطة اقتصادية تخرج العراق من هذه المديونية حتى لو اضطرت الحكومة على تخفيض الرواتب للجميع إلى أدنى حد ريثما نتخلص من هذه المديونية مع إلغاء الفوارق في سلم الرواتب ابتداء من المسؤولين والغاء كل امتيازاتهم وسحب كل الحمايات والمواكب والسيارات المدرعة وتطبيق قانون من أين لك هذا على الجميع مسؤولين ومواطنين والاستعانة بديوان الرقابة المالية وكل المؤسسات ذات العلاقة الكشف عن مصادر أموال الجميع وممتلكاتهم واستعادة الأموال المنهوبة وتشريع أقصى العقوبات بحق المرتشين ومبذري المال سراقه والاهتمام بجرد كافة الموارد الطبيعية والبشرية ووضع خطط خمسية وعشرية وعشرينية لإدارة البلد آخذت بنظرها الزيادة المتوقعة لعدد السكان وإيجاد حلولا جذرية لملفات الطاقة والمياه وبناء السدود والاهتمام بقطاعات الاقتصاد كافة الزراعية من استصلاح اراضي وتوفير مكننة حديثة وتوفير البذور وكافة المستلزمات وتشريع قوانين حماية المستهلك وتشجيع الانتقال من المدينة إلى الريف وإقامة قرى عصرية مع بناء مصانع تكميلية كمصانع التعليب والحليب والقطن والصوف والصناعات الجلدية والنهوض بالقطاع النفطي والاهتمام بالصناعات التحويلية كمصانع مشتقات النفط من زيوت السيارات والمكائن وكل الزيوت الأخرى ومواد أخرى كالبنزين و ومستحضرات تعتمد على النفط أو مخلفاته كصناعة الصابون والمساحيق الأخرى وبناء مصانع ستراتيجية في كل المحافظات حسب طبيعة الموارد المتوفرة وتشجيع القطاع الخاص وسن قوانين حماية المنتج المطابق لشىروط الجودة والمقاييس العالمية وبناء مدارس ومعاهد وكليات والاهتمام بمراكز البحوث وبناء مؤسسة صحية رصينة مع جعل التعليم والصحة مجاني لكل الفئات وبناء مجمعات سكنية من أجل القضاء على أزمة السكن وتوفير الخدمات والاهتمام بالبنى التحتية والاهتمام بالسياحة والاهتمام بالآثار وتشجيع الاستثمار الاجنبي وإقامة طرق وجسور وسكك حديد حديثة وبناء انفاق ومتروات والاهتمام بقطاع الصناعة ودعمه وبناء مؤسسة أمنية وعسكرية تستطيع أن تثبت قدرتها على بث الأمن والامان في ربوع الوطن والاهتمام بالكفاءات والمبدعين والشباب والفنانين والرياضيين والمثقفين .
كل هذه الأشياء ليست ضربا من الخيال ولا حلما صعب المنال لكن بالإرادة والعزيمة والنية الحقيقية وحب الوطن نستطيع أن نبني وطنا يفخر به الجميع حتى نكون بحق خير خلف لخير سلف .
انا مع نظام قوي وطني شجاع لا يخاف لا تأخذه في الحق لومة لائم يطبق القانون على الجميع يحقق العدل والحرية والمساواة نظاما له رؤية مستقبلية له مشروعا حضاري سواء أكان جمهوريا أو ملكيا أو دكتاتوريا عادلا يحق الحق وينزع الباطل من جذوره .
*كاتب ومحلل سياسي
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha