عمار محمد طيب العراقي||
يكتنف العنوان على مفارقة صعبة جدا، فهذا مسار يتطلب من الأمريكي التحلي بفهم واسع لكيفية تحول بسر التمر العراقي الى "خلال" ثم الى"رطب" وبعد ذلك يصبح "تمرا".!.
في هذه المقاربة المتعلقة بالمفاوضات؛ المزمع إجرائها مع الجانب الأمريكي، بشأن إنسحاب قواته من العراق، ومستقبل العلاقة معه، لا نريد إعطاء دروسا مجانية؛ بفن التفاوض مع هذا الطرف، الذي أبى إلا أن يتحول الى "خصم" ثم الى "عدو"، بعدما ارتكب سلسلة من الحماقات بحقنا، ليس آخرها إستهداف "قادة الإنتصار"، بجريمة المطار الغادرة قبل مائة وخمسين يوما من الآن!
باديء ذي بديء؛ لا بد من القول إن المفاوضات مع هذا "العدو" المكشوف، لا تتضمن ملفات كثيرة يمكن أن تفاوض عليها، فالمفاوض العراقي ليس لديه كثير مما يجب قوله، وهو مقيد بقرار تشريعي وشعبي واضح، وهو قرار أكتسب جميع الأبعاد القانونية والدستورية، ولا مناص أمام المفاوض العراقي، إلا طلب خروج قوات المحتل الأمريكي دون قيد أو شرط.
اما ما يتعلق بالبحث بمستقبل العلاقة مع الأمريكي، فهو موضوع تالي لتنفيذ "العدو" الأمريكي، لقرار الشعب العراقي، ويتعين على هذا "العدو"؛ إتخاذ سلسلة طويلة من الإجراءات، تؤهله للخروج من صفة "العدو"، والتحول "خصم" ثم الى "صديق"، بعدها الى "صديق كفء"، وعند ذاك يمكن البحث في مستقبل العلاقة معه!
ثمة حقيقة أساسية يجب أن يفهمها المعنيين بالمفاوضات، وهي أن التفاوض عملية رافقت البشرية منذ بديء الخليقة، ومنذ نشأة المجتمعات، وكان يأخذ صوراً مختلفة، تبدأ بالحوار وتنتهي إما بالوصول إلى نتائج ترضي أطراف النزاع، أو التحاور بالسيوف، لتنتهي عملية التفاوض عمليا لصالح أحد أطراف التفاوض، واستسلام الطرف الأخر..وهذا ما يسعى اليه "العدو" الأمريكي، في مفاوضاته المرتقبة مع العراقيين..
إنه يريد الرمانات الثلاث كلها، الأولى ضمان بقاء قواته بشكل ما، حتى وإن جرت عملية رحيلها رسميا، وسيسعى لأن يكون ذلك تحت غطاء الناتو، بذريعة تدريب القوات العراقية، والثانية تأمين مصالحه الإقتصادية والجيوسياسية؛ المتعلقة بضمان وجود فعال قوي له على أرض العراق، حماية لحليفته الدائمة إسرائيل، والثالثة أن يطوي العراقيين والى الأبد صفحة موقفهم الرافض للكيان الصهيوني.
أصبحت المفاوضات من أهم الأنشطة الفعالة لتسوية الخلافات، ففي الصراعات والخلافات الدولية؛ حلت المفاوضات محل الحروب المعلنة بين الدول، ومع أن التفاوض يحقق نتائج اقوى من تقارع السيوف وسقوط القتلى، إلا أن "العدو" الأمريكي سوف لن يتورع عن إستخدام السيوف كوسيلة للتفاوض، وقد بدأ فعلا بعمليات "نسخين" لأدواته المحلية، داعش وإمتداداتها، والقوى المناوءة للعملية السياسية، وجيوشه الأليكترونية وأنشطتها المشبوهة، وهو ما يطلق عليه في علم النفاوض بـ(التفاوض بالضغط)..
(التفاوض بالضغط) ليس سلاحا يتفرد بإمتلاكه "العدو" الأمريكي، فالمفاوض العراقي يتفوق على الأمريكي في هذا المجال بمسافة كبيرة، فلديه الشارع العراقي الموحد في هذه القضية، وحتى القوى السياسية العراقية المتشاطئة مع الأمريكي، لا يمكنها أن تجرأ على إتخاذ موقف مخالف، بل من المتوقع أن تتخذ هذه القوى؛ موقفا ذا سقف أعلى من السقف الرسمي الشعبي، في قضية الوجود الأمريكي في العراق، لأن أمامها إستحقاقات إنتخابية ووطنية قادمة، تجبرها على إتخاذ هكذا مواقف..
من المؤكد أيضا؛ أن ثمة سباق وطني عراقي سيحصل أثناء المفاوضات، فالولاء للوطن قصة عراقية متفردة، يفهمها الأمريكي جيدا، وخبرها قبل عام 2010، عندما خسر في منازلته مع المقاومة، أربعة أضعاف ما خسره في حربه على عراق صدام..ولذلك فإن على الأمريكي أن يتحول وبسرعة من "عدو" الى "خصم" يمكن التحاور معه، ولن يتم ذلك إلا حين يتخلى عن عقيدة الإستعلاء والقوة التي يعتنقها، فهي عقيدة لا تنفع مع العراقيين.
الأمريكي إذا اكان يريد أن يتحول في قادم السنين الى "صديق"، عليه أن يبذل جهدا إستثنائيا خارقا في هذا المسار، لأن سياساته الحمقاء تجاه العراقيين منذ 2003 ولغاية اليوم، جعلت ذلك صعبا إن لم يكن مستحيلا.
على الأمريكي أن يتخلى عن عقلية التغالب مع العراقيين، وأن يعمل على أن تكون نتيجة المفاوضات (ربح ـ ربح) لكلا الطرفين..
العقلية الشايلوكية للتاجر ترامب تجعلنا نقول وبثقة، أنه ليس مفاوضا مؤهلا للتفاوض معنا، خصوصا في هذا الوقت الحرج الذي تمر به إدارته، ومن المؤكد أن سيسعى للحصول على إنتصار خارجي هنا في العراق، وهذا ما يجب أن يدركه المفاوض العراقي..
شكرا
2/6/2020