المقالات

العراق؛ من يحلق شارب من؟!


طيب العراقي

 

بعد أزمة سياسية مجتمعية طاحنة، وبعد أن وقع العراق تحت ضغط قاهر جبار، ليس أقله أن العراقيين كانوا يباتون ليلتهم طيلة ستة أشهر مضت، وهم يتوقعون أن يصبحون على البيان رقم واحد لإنقلاب عسكري، يشتعل العراق بعده من أقصاه لإقصاه، لكن وبعد أن تدخلت عوامل كبرى طارئة على خط تعقيد الأزمة، وهي عوامل لم يكن لأحد أن يتوقعها أو يحسب حسابها، كورونا الذي إجتاح العالم، والإنهيار الإقتصادي العالمي، ووصول الأزمة السياسية الى إنسداد تام تحول الى دوامة، علم جميع الفاعلين السياسيين أنها ستبتعلهم كلهم، كان لا بد من حل خارج السياقات المعروفة، وهكذا تشكلت حكومة جديدة، برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، وهي بالتأكيد تمثل حلا لم يكن لأحد أن يتوقعه، حتى قبل بضعة أشهر!

السيد الكاظمي لم يكن في مدارات التفكير السياسي الإعتيادية، وإن كان موجودا ضمن قائمة خيارات ثعالب السياسة، الذين أشرنا اليهم في مقالنا السابق (نصيحة الى الكاظمي: لا تصلي خلف ثعلب)، لكن ومع الرغبة الصادقة للخروج من الأزمة، بات السيد الكاظمي أمرا واقعا، وبديلا مقبولا عن الإنقلاب العسكري المتوقع!

كثير من المحللين والمتابعين، يرون أن الإنقلاب بمفهومه التغييري قد وقع فعلا، والدليل أن الوزارتين المعنيتين بالشأنين الأمني والعسكري، وخلافا لما كان يحصل طيلة السبعة عشر عاما، من تأخير تسمية وزيريهما (الدفاع والداخلية)، كانتا الأسرع حسما في الكابينة الوزارية، كذلك بقي السيد الكاظمي محتفظا برئاسة جهاز المخابرات، فيما سارع لإعادة ترتيب جهاز مكافحة الإرهاب..كذلك جرت عملية تطمين للحشد، حيدته بإرتداء الكاظمي لبزة الحشد، كل هذا يعني أن الشق الأمني ـ العسكري من عملية التغيير، كان الأولوية القصوى ولذلك جرى حسمه بسرعة!

عادة ما ترافق الإنقلابات رغبات جامحة للعسكر؛ لفرض سطوتهم على الشارع؛ الذي بدأ يشهد مصاديق لهذه الرغبات، حلق شعر راس وشوارب مواطن تناول جهاز الشرطة بسوء، وتصوير الواقعة وبثها على مواقع التواصل الإجتماعي، وإن كانت الحكومة والداخلية قد أدانته وتنصلت من مسؤوليته، لكن أحاديث أعلى المسؤولين السابقة للحدث، والتي تحدثت عن (حد السيف) بالتعامل مع (المخالفين)، تشي بأن الحكومة تريد فعلا حلاقة شوارب الشعب، وأن مزيد من مظاهر بسط القوة سنشهدها، ومع مشروعية وضرورة التقيد بإجراءات العزل وحظر التجوال، إلا أن هذه المشروعية تنفذ بتعسف وإنتقائية ظاهرين، وبتنا نسمع عن إنتهاكات لحقوق المواطن، يجري تبريرها بضغط العمل وأن المواطن منفلت، ولكنها في نهاية المطاف، تعبر عن مفهوم مقصود ولكنه سطحي جدا لفرض هيبة الدولة!   

مع إنجاز هذه الصفحة، فإن من المؤكد أننا لسنا ماضين نحو نهاية سعيدة، بل كل الدلائل تشير الى أننا نسير قدما؛ نحو نهاية غير معلومة لأزمة سياسية طاحنة، وجد العراق نفسه فيها، بعدما تظافرت عوامل عدة على صناعته، كان في مقدمتها خروج العراق منتصرا على مؤامرة الإطاحة بوجوده كدولة رغم أنف الأمريكان وأدواتهم البعثوداعشية، وهي مؤامرة بدأت عام 2014، وكانت إنتخابات عام  2018 إحدى مثاباتها البارزة، حينما شابها كثير من اللغط حول مستوى مشاركة الناخبين فيها، وما رافقها من أحداث، ليس أقلها إحراق محطات العد والفرز في جانبي بغداد، الأمر الذي أفرز نتائج لا يمكن الوثوق بها..

الإنتخابات المبكرة؛ وهي مطلب أساسي جماهيريا ومرجعيا، يبدو أن حماسة المطالبة بإجرائها عاجلا قد تراجعت فعلا، بل أننا سنكون ساذجين جدا؛ إذا تصورنا أنها ستجرى في أجل قريب، فضلا عن أن بعض التصورات البعيدة النظر، تعتقد أن إجرائها في موعدها القانوني في أواسط عام 2022، هو الآخر أمر مستبعد ومشكوك بوقوعه!

السذاجة نتحدث عنها، لأن من المستحيل تصور أن القوى التي أوصلت العراق الى نقطة يوم 06‏/05‏/2020، حيث وافق مجلس النواب العراقي؛ على منح الثقة لحكومة الكاظمي، ستسلم الأمور خلال عام واحد؛ في أبعد مدى وعبر إنتخابات مبكرة، إذ أنها تحتاج الى مزيد من الوقت، لإتمام عملية التغيير السياسي والمجتمعي الذي تطمح اليه، وهو تغيير ضخم يحتاج منها الى جهد كبير جدا، عملية رفع علم المنحرفين جنسيا في بغداد، ليست إلا إحدى فقرات المشروع التغييري الذي تعمل عليه منذ سنوات!

القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية هي الأخرى؛ ليست متحمسة لإجراء إنتخابات مبكرة، وستعمل بلا كلل لعرقلة ذلك، فهي بحاجة الى وقت لإعادة ترتيب صفوفها، وبناء تحالفات جديدة، بعدما أنهارت التحالفات السابقة، وبعدما بدت أنها فقدت ساحاتها!

حتى المنابر الدينية التي طالبت بإجراء إنتخابات مبكرة، ستغض النظر عن هذا المطلب، وستكون حجتها أنها مع الشعب فيما يريد، ويقينا أن إجراء إنتخابات مبكرة لم يعد مطلبا لساحات التظاهر؛ أو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية (القوى الحديثة)، التي تريد هي الأخرى مزيدا من الوقت لكي تنظم صفوفها، وتتحول الى قوة سياسية منظمة، وطبعا سنة واحدة لا تكفي قط!

الكاظمي نفسه لا يقبل أن يكون أم الولد، فمن العسير قبول فكرة أن "يعطيها" لغيره خلال أقل من سنة على طبق من ذهب، فهذا الفعل إنتحار سياسي، وخروج مجاني من ساحة الفعل الوطني، ومن المؤكد أنها فرصة جيدة، إقتنصها بمهارة، لبناء مستقبله السياسي، خصوصا ان أمامه وقت طويل متوقع، عمره الآن 53 سنة، وسيبني بشكل مؤكد قوة سياسية تمثله، أو يتيح لعرابيه أن يلملموا صفوفهم حوله، وأمامه ماثلة تجربة العبادي صديقه الحميم!

في كل هذا يبقى هدف إعادة تأهيل الدولة، وبناء منظومة قيم نقية هدفا أساسيا للقوى الأصيلة، التي حفرت وجودها في وجدان الشعب العراقي، وتبقى هي وليس غيرها رهان العراقيين الدائم، لأنها قوى اختبروها على مدى يزيد عن نصف قرن، واثبتت أنها هي وليس غيرها التي ستنتج التغيير المنشود، وستقود العراقيين الى حيث الأمل.

شكرا

21ـ5ـ2020 

ـــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك