طيب العراقي
لم يخرج السيد الكاظمي من رحم عملية سياسية طبيعية، ليتبوأ عبرها منصبه السابق والحالي بشكل طبيعي، فالرجل شأنه شأن كثير من المنخرطين بالحقل السياسي العراقي؛ بعد التغيير النيساني الكبير عام 2003، لم يكن ليتصور أن يشغل أي منصب حكومي كبير، وحتى إذا كانت هناك رغبة تراوده شخصيا، وهي رغبات مشروعة إنسانيا، إلا أنها رغبة ليست قابلة للتحقيق لسببين، الأول أنه لم يكن من "ديكة" السياسة المعروفين، والثاني أن تأهيله لمثل هكذا منصب رفيع لم يكن قد أستكمل بعد..!
إشغال السيد الكاظمي لمنصب رئيس جهاز المخابرات؛ في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، كان قرارا أملته ظروف ضاغطة، هي التي هيأت له إشغال هذا المنصب الحساس جدا، ومثل هذه الظروف الضاغطة؛ هي التي دفعت به الى أمام، ليكون رئيسا لمجلس الوزراء، بعد تكليفين سابقين لغيره، كانا موضع إختلاف شديد بين القوى السياسية الفاعلة.
محمد توفيق علاوي؛ المرشح الذي تم تقديمه بعد إستقالة السيد عادل عبد المهدي، كان مرشحا مقبولا من كثيرين ويمتلك مؤهلات ممتازة، لكن خلافات المالكي والصدر المستعصية؛ هي التي لم تسمح بتمريره، فضلا عن أنه لم يكن يجيد لعبة التوازنات السياسية، ولذلك لم يستطع حتى أن يطرق باب مجلس النواب!
عدنان الزرفي كان ترشيحه بمثابة قنبلة موقوتة، لو قٌدِرَ وأن تم تمريره، لأنفجرت وأنفجر معها صدام مسلح يجتاح العراق كله، بين الدولة والقوى السياسية الرافضة لمشروع الجوكر الأمريكي، الذي كان الزرفي أحد أدواته إن لم يكن أحد أعمدته..
السيد الكاظمي لم يكن أفضل ما لدى العراق؛ ليشغل المسؤولية الأولى فيه، وهو يعرف أن في العراق قامات عالية، ساسة وأكاديميين يتوفرون على قدرات وكفاءات وخبرات لا يمكن تجاهلها، لكن لعبة روليت السياسة؛ رست في نهاية المطاف عند خانة الكاظمي، وبات رئيسا لمجلس الوزراء..!
أما وقد أصبح الكاظمي رئيسا لمجلس الوزراء، وقائدا عاما للقوات المسلحة، فإن الحال يقتضي منه أن يتصرف؛ بما تتطلبه منه هذه المسؤولية الجسيمة، بكل إشتراطاتها ومتطلباتها..
صحيح أن توازنات دولية وجهات سياسية مهمة قد وقفت وراء ترشيحه، ودعمته وعملت على أن يكون مقبولا، وصحيح أن جهة دينية لها وجودها المعروف في بغداد، كانت قد هيأت له كثير من اسباب الدعم والترويج، لكن على الكاظمي أن يتصرف بحكمة، وهو يتعاطى مع ملف الداعمين له، فهو ليس مدين لهم بدين ثقيل يطوق عنقه، وأن عليه الإيفاء بهذا الدين، وأن يترجم الوفاء على شكل مناصب وإمتيازات كبرى، يمنحها للذين دعموه.
القصة تتحول حينئذ الى عملية نخاسة سياسية قذرة، خصوصا إذا ما علمنا أن بين الجهات التي دعمته، من يتسم بصفات الثعلب الماكر المعروفة، والتي تدفعه لإلتهام "الديك" متى ما حانت له الفرصة، وبعد أن يتم الأكل يرميه عظاما، وطريقة الثعلب معروفة وهي أنه يقف إماما للصلاة، رافعا يديه الى السماء متضرعا أن يأتيه ديك حنيذ، ليكون طعامه المقسوم، ولأن دعاءه همسا غير مسموع، فإن الديكة تنخدع بلبوس الإيمان الذي يتلبسه الثعلب، وتقف خلفه للصلاة، تحسب أنه يدعو لها بطول العمر، لكنه في نهاية الصلاة، يقصف عمر الذي يصلي خلفه تماما في الصف الأول!
أولى بالكاظمي وقد بات ديكا؛ أن يكون وفيا للعراق وشعبه ، وللذين قبلوا به، وأن يكون وفيا للدولة العراقية، وان يكون وفيا للرجال الذين يحملون السلاح دفاعا عن الدولة ومؤسساتها؛ وحسنا فعل عندما بدأ أيامه الأولى؛ بزيارة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية: الدفاع والداخلية ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، ومعنى هذا أنه يعرف الطريق جيدا لحفظ مقومات الدولة..
حسنا فعل الكاظمي عندما أرتدى بدلة الحشد الشعبي، أثناء زيارته لمقر قيادة الحشد، فهذه البدلة مدرعة ولن تسمح للثعلب بأن يلتهم الديك..!
شكرا
19ـ5ـ2020
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha