طيب العراقي
وأنا أتناول موضوع العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي والحشد الشعبي، والتي بدأها بزيارته أمس الى مقر هيئة الحشد، أجد من الضروري إستعادة تعريف للقيادة، أطلقه الباحث الأمريكي أستاذ جامعة هارفارد جوزيف س. ناي؛ وهو مؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأمريكي؟ وهل الأخلاق مهمة؟" حيث يعرف القيادة بأنها: القدرة على مساعدة الناس على تأطير وتحقيق أهدافهم..
خلال الأوقات الحرجة التي تمر بها الأمم، يكون القادة الأكثر فاعلية، هم أولئك الذين يمكنهم بناء التضامن من خلال تثقيف الأمة حول مصالحها الخاصة، ثم أعادة توجيه طاقاتها نحو إيجاد الحلول،بدل إلقاء اللوم بسبب إخفاقات سياسية وعسكرية ومجتمعية..وعلى من يرتقي سلم القيادة؛ أن لا يُفوِت نافذة الاستجابة للأزمة.
القيادة أمر بالغ الأهمية أثناء الأزمات، وفي نظرية القيادة يتعين التمييز بين قادة "التغيير" وقادة "التسيير"، حيث يحاول قادة التسيير توجيه المواقف مع العمل كـ"المعتاد"، بينما يحاول قادة التغيير،إعادة تشكيل المواقف التي يجدون أنفسهم فيها، وبالطبع لا ينجح قادة التغيير دائمًا، لكنهم ينجحون غالبا.
مهما كان أسلوبهم يمكن للقادة بنوعيهم، ممارسة تأثير قوي على هوية الجماعة، القوة التي تحول "أنا" و"أنت" إلى "نحن"، بينما يميل قادة"التسيير"، إلى تعزيز الوضع الراهن، من خلال الاستفادة من الانقسامات لبناء الدعم لأنفسهم، لكن يمكن لقادة التغيير الفاعلين، أن يكون لهم تأثير بعيد المدى على طابع المجتمع!
يكمن مفتاح الأمن والازدهار المستقبليين للعراق؛ في معرفة أهمية التفريق بين مفهومين، هما "السلطة مع" "السلطة على"، إذ أن أي مُرتَقٍ لِسُلَم القيادة يسلك مسلك "السلطة على"، سيسقط لا محالة من هذا السُلَم، حتى إن وصل الى الدَرْجَةَ الأخيرة، لأن من تحته سيسقطوه حتما، نظرا لتحملهم أعباء ثقله مع بقائهم في الأسفل، لكن الذي يرتقي سلم القيادة وفقا لمفهوم "السلطة مع"، سينجح حتما لأن القرار سيكون قرارا جماعيا قويا مدروسا مقبولا من الجميع.
بهذه العين؛ أنظر الى زيارة السيد مصطفى الكاظمي لمقر قيادة الحشد الشعبي، فقد سبق هذه الزيارة ركام من التشنج الإفتراضي، لكن الزيارة بددت كثيرا من ذلك، وأتضح أن الرجل يتمتع بالمهارات اللازمة لإدارة الوضع الراهن، وحتى إذا كان للكاظمي خلفية مشوشة، ناتجة عن علاقة حسنة مع الأمريكان، بسبب سنوات هجرته الطويلة في الغرب، وبسبب عمله المشترك معهم طيلة تلك السنوات وبعدها، لكن واقع الحال يقتضي التفريق بين الثابت والمتحول، الثابت هو العراق ومصلحة أمته العراقية ـ وهو تعبير إستخدمه السيد الكاظمي أثناء زيارته للحشد ـ، والمتحول هو علاقات العراق ودولته، مع الآخرين ومنهم الأمريكان، وما بين مساحتي الثابت والمتحول تتحرك مهارات القيادة الناجحة؛ إذ لا يتعين على القادة التمسك بأضيق العلاقات، وهم ذاهبين نحو المهام الكبيرة، إلاإذا كان الكاظمي لايريد أن يكون قائدا!.
الكاظمي يدرك أنه ليس "كاظمي" الأمس، ويعرف بوضوح شديد ـ أن لم يشوش هذا الوضوح ثلة المسشارين المثيرة للجدل التي تحيطه ـ أنه إزاء مهمة إستثنائية في زمن إستثنائي، في مكان إستثنائي، كما يفهم أن الحشد الشعبي ضمانة حاضر ومستقبل العراق، وأن الحشد ليس تكوينا طارئا تشكل بقرار من الدولة العراقية، بل هو مرسوخ في وجدان الأمة منذ أكثر من 1440 عام، وأن الذي فعلته المرجعية الدينية بفتوى الجهاد الكفائي، لم يكن أكثر من "إظهار" هذا الراسخ "الثابت"، بالضبط كعملية إمتشاق فارس لسيفه من غمده، الفارس هو الشعب العراقي بعقيدته والسيف هو الحشد بخلفيته التأريخية، والغمد هو المرجعية الدينية بـتأثيرها العميق في وجدان الأمة..نُذَكِر بمثلث الشعب ـ الحشد ـ المرجعية الذي مافتئنا نتحدث عنه كلما إقتضى الأمر ، وهو مثلث تتكسر على أضلاعه كل محاولات هزيمة الأمة!.
الكاظمي يعرف أيضا أنه إذا أراد أن ينجح بمهمته؛ وهذا ما نتمناه له، وهذا ما لمسناه أيضا من قيادات الحشد التي حضرت لقاءه، أن مهمته ستكون عسيرة إن لم تكن مستحيلة إذا فكر أن يقود العراق(سلطة على) لا بـ (سلطة مع) ، لا بل حتى (سلطة بـ) لا يمكنها أن تنجح، لأن الحشد لا يمكن أن يكون "أداة" ـ بـ (يد) شخص، بل هو للعراق لأنه هو العراق.
كانت إشارة الكاظمي الى نشيد الحشد، نحن لا نهزم؛ ومنا عطاء الدم، تعني أن الرجل قرأ كتاب الحشد جيدا..ولذلك أرتدى بزة الحشد بعدما تيقن أن ممارسة السلطة؛ يمكن أن تصبح لعبة محصلة إيجابية، حينما يجري التفكير في السلطة بالشراكة "مع" الآخرين.
شكرا
17 ـ5ـ2020
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha