قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
باتت قضية انتشار المعلومات المضللة مصدر قلق عالمي، وهنا في وطن الصادقين الأوائل؛ وجدنا أنفسنا إزاء "جائحة" كبرى، من الأخبار الإعلامية المضللة التي تضرب في جميع الإتجاهات، وهي بالحقيقة كانت موجودة في مجتمعنا منذ أمد بعيد، لكن تطور وسائل الإتصال بشكل إنفجاري، ووجود الإستعداد المجتمعي لأسباب كثيرة؛ لسنا في صددها في هذه المقاربة، حولها من "حالة" إعتيادية الى "جائحة"، خصوصا بعد عام 2003، حيث التغيير المفصلي الكبير في حياة العراقيين.
أين يكمن الخطر الكبير في الأخبار الزائفة؟ ولماذا يثق الناس بمثل تلك الأنباء؟
تقوم الاخبار الزائفة؛ على تشويه أحداث أو اختلاقها أو تلفيقها، وبناء قص وتقارير عليها لاستقطاب الرأي العام، بناء على الخداع والأكاذيب، والهدف الأساسي منها هو تحقيق مآرب سياسية ومصالح اقتصادية، ويزدهر موسم الأخبار الزائفة؛ خلال الحروب والإضطرابات والأزمات السياسية، كما تنشط أثناء الحملات الانتخابية، التي تهدف إلى النيل من الخصوم، وكسب أكبر قدر ممكن من أصوات الناخبين.
يمكن لكل شخص؛ أن يباشر عملية اقتناص الأخبار الزائفة والعمل على نشرها، حيث لا يلزم أن يكون المرء بارعا في تكنولوجيا المعلومات، بل فقط أن يتوفر له الوقت الكافي، ويعرف مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكيف تتعامل مع بعضها البعض، وبإمكان كائن من يكون، ومن أي مكان وفي كل وقت أن يفعل ذلك.
الشائعات بمفهومها التقليدي؛ لم تعد المحتوى المضلِّل الوحيد؛ في عمليات التواصل والإتصال، فقد تنوعت أساليب التزييف والتضليل، منها التلفيق الذي يهدف للخداع وإلحاق الأذى بالخصوم، والتظليل الذي يستخدم المعلومات، بطريقة مضللة لتوجيه الأنظار نحو إتجاهات يرغبها المظلل، والتزوير الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية، فضلاً عن التلاعب بالمحتوى، والسياق المزيف والربط المزيف بوضع عناوين أو صور ليس لها صلة بالمحتوى، إضافة الى التهكم والسخرية التي قد تتسبب أيضا بالتضليل، لكن التنمر يبقى الإعلامي أخطر الأساليب ، لأنه يجمع كل الوسائل الغير مشروعة تقريبا.
لقد إزدادت الفجوة بين الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والشعب، وبات الشعار الشعبوي "كلهم حرامية" شعارا مقبولا جماهيريا، مع أنه شعار تعميمي لا ينسجم مع منطق العقل والأشياء، لكنهم أي المسؤولين الحكوميين والسياسيين، اصبحوا "كلهم" حرامية، لأن العقل الجمعي خضع لسيول من القصص والمعلومات المظللة والمضخمة والكاذبة، لكنها كانتمحشوة بمعلومات حقيقية.
حصل ذلك لأن السياق المجتمعي العراقي بكافة مكوناته، يتيح وبشكل لا إرادي الفرصة أمام انتشار المعلومات المضللة، وهكذا خرج بعض المسؤولين والساسة، ومن على شاشات التلفاز، ليقروا يصفاقة فريدة بأنهم "كلهم" حرامية، دعبول ومشعان وحنان نماذج..!
في هذا الصدد ثمة نتيجة غير سارة، وهي أن المعلومات المضلِّلة تكون قادرة على مقاومة التصحيح، وتزداد هذه القدرة حينما يبتكر الجمهور الشعبوي أسبابا، تدعم المعلومات المضلِّلة التي حصلوا عليها أولاً، كما هو حاصل هنا في العراق، حينما تنمرت شلل شعبوية مارقة؛ على الدولة والشعب والساسة، وبات الجميع تحت سياطها المنقوعة بالسم الأمريكي الزعاف، ولم يلم من سياطها أحد، حتى من أغلق باب بيته على نفسه.
كيف يمكن مواجهة الشعبوية والأخبار الزائفة؟!
تمكن المشكلة في أن وسائل الإعلام الشعبوية، تعلن في غالب الأحيان أنها تساهم في تنوع الرأي، وتقدم نفسها كبديل للتيارات السياسية والإعلامية السائدة، وتدعو إلى الكشف عن حقائق تزييفها من طرف وسائل الإعلام القائمة.
لا بد من القول أنه لا يجوز استخدام الأساليب الشعبوية في مناهضة الشعبويين، لذلك يتعين التفريق بيت التضليل والحقائق؛ بنفس المقدار الذي يجب فيه التمييز الفاحص للرسائل الإعلامية المختلفة، والتفريق بين الصادقة منها والمزيفة.
كلام قبل السلام: تنتقل "جائحة" التضليل الإعلامي؛ الى مستوياتها الأكثر خطرا على المجتمع، حينما تتحول الى مسلك يستخدمه الإعلام الحكومي، الإعلامي الحكومي العراقي الراهن إنموذجا..!
سلام..
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha