قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
ثمة وضع أصبح أحد مظاهر الحياة الديمقراطية، بل يبدو في أحيان كثيرة إحدى لوازمها، خصوصا في العراق؛ حيث يختلط الحابل بالنابل، ويتمثل هذا الوضع بصعوبة إتخاذ القرار، على الرغم من وضوح المطلب، وسلامة التشخيص، ومشروعية ألهداف، وتوفر الأدوات.
صعوبة إتخاذ القرار لا ترتبط فقط، بعوامل موضوعية تحيط بالقرار نفسه، أو بجسامة وعظم معطياته، ولا بحسابات تكلفته وتكاليفه، ولا بإنعكاساته السلبية المتوقعة، فهذه كلها من أساسيات صناعة القرار، لكن الصعوبة تكمن في الغالب بالتردد بإتخاذ القرار؛ من قبل من قبل من يناط بهم إتخاذه، وهم في العمل السياسي القادة طبعا، فينتهي الأمر الى اللا قرار!
صحيح انه يتعين على القائد الناجح؛ أن يرجع خطوة الى الوراء، كي يستطيع أن ينظر الى الصورة الأوسع، ومن جميع زواياها ومدياتها، لكن القيادة تتطلب مهارات منوعة، بدونها لا يمكن لأي كان أن يصبح قائدا، في مقدمتها؛ المقدرة على إدارة الذات، والتصرف الإستراتيجي، والقدرة على التواصل الفعال، وحسن التدبير والتوجيه، وإمتلاك رؤية واضحة للمستقبل، وسرعة الفهم والتعلم، فضلا عن توفر فريق مساند مؤمن بالهدف، ويمتلك وسائل التنفيذ، وإلا فإن القائد سيتحول الى قائد لنفسه فقط !
نحن إزاء أربعة أنواع من القادة السياسيين المترددين؛ الأول يتمثل بالقائد الذي يحتاج الى وقت "مناسب"، كي يستطيع إتخاز القرار"المناسب"، ولكن هذا الوقت لدى هؤلاء؛ يطول أكثر مما ينبغي، فيتحول "الوقت" الى عبيء على الذين هم بحاجة الى القرار، ويخسرون فرصةً كانوا بأشد الحاجة لها، أما لإمضاء حق، أو دفع بلاء، أو حل مشكلة، أو مباغتة عدو..وينتهي بالأمر يهذا النمط من القادة؛ الى أن ييبقون واقفين في منطقة الصفر، أي الإحجام عن إتخاذ أي قرار!
النوع الثاني؛ من القادة المترددين في إتخاذ القرار، هم أولئك الذين يميلون الى الكمال، وبالتالي فهم ليس بإمكانهم أن يتخذوا القرار المناسب، حتى يجمعوا كم هائل من البيانات التي يغرقون في تفاصيلها، وهؤلاء يعمدون الى تجزئة القرار الى مجموعة قرارات صغيرة، بعضها يمكن تنفيذه وبعضها الآخر يصب تمريره، فضلا عن إحتمال أن تتزاحم هذه القرارات الصغيرة؛ فيما بينها عند التطبيق، وهكذا ينتهي الأمر الى تمييع القرار!
النوع الثالث؛ هو الذين يشعرون بالشلل أو بخدر الأطراف، جراء حالة عدم اليقين التي تحيط بهم، وتجعلهم غير قادرين على إتخاذ القرار، مع أنهم يعرفون تماما ما يتعين عليهم إتخاذه!
النوع الرابع؛ هم القادة المترددين بإتخاذ القرار، هم اولئك الذين يلوذون بأمان عدم إتخاذ القرار، خشية أن "يتورطوا" في قرارات غير مناسبة، يتحملون بسببها ملامة المستهدفين من القرار، ويتعرضون بسبب ذلك الى سيل من النقودات، التي تفقدهم في نهاية المطاف وضعهم .
النوع الرابع؛ هو القائد الذي يتحول الى مجرد "مدير" لا يشعر بالأمان، ولكي يحقق أقصى قدر من الأمان، وهنا لا نقصد الأمن، فإن هذا الفائد المدير، يعمد الى منافسة معيته من الموهوبين ولا يحفزهم، ويقمع الأفكار الجيدة او لا يعيرها بالا، بسبب إفراطه بمتطلبات تحقيق الأمان، فيترك هذا القرار، ويغظ النظر عن إتخاذ ذالك القرار، على الرغم من ضرورته وجهوزية متطلباته؛ وتتحول القيادة لدى هذا النوع من القادة، الى مجرد عملية تصريف أعمال يومية!
في الحروب القديمة؛ كانت توزع مهمة رمي النبال والسهام على جنود، ومهمة امساك حبال الخيل والجمال على جنود آخرين؛ وعند اشتداد المعركة، والتحام الجيشين المتحاربين، وارتفاع غبار المعركة وتنازل الفرسان وتزلزل الأقدام, لا يُعرف الحابل من النابل، أي لا يعرف من يمسك الخيل والجمال من رامي السهام!
كلام قبل السلام:عندما لا يمتلك المتصدي شجاعة القرار، فهو كالجسد الميت الذي لا ينتظر منه حراكا، لذلك فإن الإبقاء عليه يُعدُ موتا للأمة، والدفن له ( بأعفاءه) هو إحياء للامة..
سلام..
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha