طيب العراقي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) (الأنفال)
بدءا لابد من الإشارة الى أن "إدارات" العتبات المقدسة، هي تشكيلات "إدارية" بحتة، مرتبطة بمؤسسة حكومية رسمية وهي ديوان الوقف الشيعي، وهي مؤسسة مهمتها إدارة الأوقاف الشيعية بصفة رسمية، وفقا لمفهوم الوقف عند المسلمين، وهي ليست مقدسة بحد ذاتها، لكن لها منزلة إعتبارية خاصة، تكتسبها من "شرف" قيامها بخدمة العتبة المقدسة، وهو أمر حظي بتفصيل دقيق لدى علماء الدين الشيعة من المراجع الكرام، وفي مقدمتهم الإمام السيستاني أمد الله في عمره الشريف.
في موضوع الألوية الحشدية، التي توصف "تساهلا" بأنها تابعة للعتبات المقدسة، فإن هذه التشكيلات هي الوية حشدية عرفا وواقعا وقانونا، ويتعين الفصل بينها وبين العتبات من جهة، بل وحتى بينها وبين المرجعيةِ الدينية من جهة اخرى، نعم هي حظيت برعاية خاصة من الأفاضل متولي العتبات المقدسة، بحكم الوجود الجغرافي لهذه التشكيلات، لكنها لا ترتبط بـ"إدارات" العتبات بأي شكل من الأشكال، لأن أصل تكليف "إدارات العتبات" يكشف أنه لا علاقة لها بالجانب العسكري بشكل قاطع، كما انها ليس لها أذرع عسكرية كما يتصور بعض قصار البصر والبصيرة، لأن ذلك مخالف للقانون، ولعمل المؤسسات الرسمية في الدولة العراقية.
الحشد الشعبي كله وبدون إستثناء؛ مرتبط روحيا بفتوى الجهاد الكفائي، التي أطلقها المرجع السيد السيستاني دامت بركاته، حينما واجه العراق خطرا داهما لأصل وجوده، متمثلا بداعش الشر الوهابي ومن يقف خلفه، ويقينا أن المرجعية الدينية برؤيتها الأبوية للعراق كله، لم تختص لنفسها ببعض أبنائها المجاهدين الذين لبوا الفتوى، فكل الملبين لديها أبناء بررة؛ دافعوا عن العراق وأرضه وسيادته، وبدا ذلك بأنصع صوره، يوم أبنت المرجعية الدينية العليا الشهيدين السعيدين الحاج ابو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني، واسمتهما بحسرة صادقة "قادة الإنتصار".
لهذا فإن الحديث عن الوية حشد شعبي تسمى بـ"ألوية العتبات"، يحتاج الى مراجعة وإعادة تقييم للتسمية الجزافية، وبإمعان النظر بالمسلك المبارك للمرجعية تجاه جميع المقاتلين، سنجد وبلا شك، أنه يجب ان نجرد هذه التشكيلات المجاهدة المحترمة، من اي بعد قانوني يرتبط بالمرجعية الدينية، التي طالما دعت الى ابعاد المؤسسات العسكرية والأمنية، عن الارتباط بالجهات السياسيةِ او الحزبية، فما بالك عندما يدعي بعض الأدعياء المدعين؛ ارتباط هذه الالوية بالمرجعية الدينية، التي بسطت يدها المباركة؛ على جميع العراقيين من مدنيين وعسكريين وبلا إستثناء، بل أنها ترعى حتى الأعداء الظالين، بنية هداهم الى صراط مستقيم!.
هنا لابد من الإشارة الى معيار مهم دأبت المرجعية على تأكيده، وهو ضرورة الالتزام بقوانين الدولة وتشريعاتها وإحترامه، وعدت ذلك تكليفا شرعيا مبرما، لذلك فإن من المعيب حقا؛ بل أن الأمر يشكل إهانة مقصودة للمرجعية الدينية العليا، حينما ننسب الى مقامها العالي، بضعة قطعات أو تشكيلات عسكرية أو جهادية، دونا عن باقي القوات المسلحة العراقية، وبضمنها الحشد الشعبي بهيئته والويته وكافة تشكيلاته.
سماحة السيد السيستاني عنوان كبير جدا، يندرج تحته كل رجال ونساء العراق الشرفاء، فالجيش والشرطة وباقى القوى الامنية البررة المخلصين، ومعهم رجال الحشد الشعبي الملبين لفتواه الخالدة، هم ابناءه الذين يطيعون توجيهاته وارشاداته، وهم رهن اشارته؛ والعراق كله يعتبر الإمام السيستاني دام ظله الشريف، أبا روحيا ورمزا وقدوة وصمام أمان، لذلك لا يصح إختزاله بعناوين صغيرة، هي موجودة اليوم؛ وربما يأتي الغد وليس لها وجود!
ثمة نقطة يجب أن توضع على الحروف، وهي تمثل الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، وبضمنهم أولئك المروجين لتسميات منحرفة، مثل "ألوية العتبات" أو "حشد المرجعية"، هي ان كل القوات المسلحة العراقية، وبكل مسمياتها وصنوفها، هم جند المرجعية.
المرجع هو الاب الروحي لجميع العراقيين، عسكر ومدنيين، فلا تزجوه بتوافه الامور وأزقة خلافاتكم الدنيوية، لذا لا توجد لا ألوية ولا قوات؛ لا للمرجعية ولا للعتبات، وتبقى المرجعيةِ القانونية والعسكرية للألوية الحاردة؛ هي هيأة الحشدِ الشعبي، وعندها تعد دعوة أمراء تلك الألوية؛ الى سائر ألوية الحشدِ الشعبي بالتحاق بهم، كلاما لا قيمة قانونية له، بل هو دعوة صارخة للتمرد على المؤسسة الرسمية، وهذا مرفوض وفق السياقات القانونية، فضلا عن كونه تمرد على رأي المرجعيةِ؛ التي تدعو الى احترام مؤسسات الدولة.
نختم بالسؤال:ألا يعد ذلك تحريضا على تفكيك مؤسسة الحشدِ الشعبي، وإفراغ قانونها من محتواه؟ أليس هذا مسار خطير جدا؟! إذا أجبتم بنعم وهذا مؤكد، عندئذ لا يخدعنكم أعداء العراق..
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) (الأنعام)
الخلاصة: أن تكون جنديا في مشروع صائب؛ خير من أن تكون قائدا في مشروع خاطئ..!
شكرا
27ـ4ـ2020
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha