المقالات

تحليل أكل الميتة للإضطرار السياسي..!  


طيب العراقي

 

يروي لنا التاريخ الإسلامي، أن (أبي قلابة الجرمي) وهو من التابعين توفي سنة 104 هـ،  أريد به على قضاء البصرة فهرب إلى اليمامة‏,‏ فأريد على قضائها فهرب إلى الشام، فأريد على قضائها‏,‏ وقيل‏:‏ ليس ها هنا غيرك قال‏:‏ فانزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر فسبح يومه‏,‏ فانطلق ثم سبح اليوم الثاني فمضى أيضا‏,‏ فلما كان اليوم الثالث فترت يداه وكان يقال‏:‏ أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة، ولعظم خطره قال النبي "ص"‏(‏من جُعل قاضيا فقد ذٌبح بغير سكين‏)‏..!

كان الأخيار الصالحين وعلى مر العصور، يهربون من مسؤولية الحكم والسلطة؛ هروبهم من الجذام والطاعون، إلا في العراق فثمة تكالب عجيب على المنصب الحكومي، وخصوصا منصب رئاسة الوزراء، فهو دبق يجلب الذباب..!

الأمانة في الإسلام فضيلة ضخمة وفريضة كبرى، وقد ضرب الله المثل لضخامتها؛ بصورة ذات دلالات مؤثرة ومعبرة؛ لكي لا يستهين الناس بها، فقال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)الأحزاب:72.

المناصب العامة أمانات مسؤولة، وهي من بين أعلى مراتب الأمانة، والتفريط فيها بتسليمها لغير المؤهلين لها يُعَد خيانة عظيمة..المنصب الأول في الدولة، أكبر تلك الأمانات التي لا يجب أن يتولاها؛ إلا من هو قادر على تحمل مسؤوليتها، والوفاء بإلتزاماتها.

الأزمة السياسية الناجمة عن إستقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي، التي لسنا في مورد الخوض في أسبابها وتداعياتها، كشفت عن خلل بنيوي؛ في تفكير الطبقة السياسية المتصدية لقيادة البلاد، ويحيلنا هذا الخلل الى تفسير جارح لتصرف تلك الطبقة، العبثي الإستخفافي بحق الشعب وبمفهوم الأمانة، بتقديمها مرشحين لهذا المنصب الخطير، شخصيات لا تتوفر على الحد الأدنى، من المقومات الواجب توفرها فيمن يترشح له.

فالمرشَحَين السابقين علاوي والزرفي، كانا موضع جدل وخلاف، فالأول منفصل عن الواقع العراقي، بعيد عن آلامه ومعاناته، فضلا عن أنه لم يعلن قبوله بثوابت مطالب الإصلاح السياسي، وأهمها إجراء إنتخابات مبكرة، والثاني كان شخصا جدليا وفتنة، وقى الله العراق شرها..بيد أن الأمر مع الثالث؛ السيد الكاظمي مختلف بشكل حاد، فقد قيل أنه مرشح الإضطرار، وأنه ليس الخيار الأمثل الأفضل، ومع ذلك حظي بحد غريب من التوافق على ترشيحه، على الرغم من أنه لا يتوفر على الحد الذي يقبله العقل، من إشتراطات رئاسة وزراء العراق، وهو أمر أقر به هو شخصيا أكثر من مرة..!

الميتة لا تباح إلا للضرورة بأن يخشى الهلاك, ولم يجد طعاما غيرها, ولم يمكنه الاقتراض, ولا سؤال الناس, قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173], وقال جل في علاه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} وقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:3}.

فهل أن مستوى إضطرار الطبقة السياسية العراقية، بقبول من لا يحمل ما يليق بالعراقيين من مزايا؛ تؤهله لأن يتولى أمرهم، ويقودهم في مرحلة هي الأعقد والأصعب من حياتهم، كان إضطرار بمستوى خشية الهلاك من الجوع مثلا؟! وخصوصا وأن العراق؛ يواجه سيلاً من الأزنات السياسية والإجتماعية والصحية والإقتصادية، فما الذي يحمله السيد الكاظمي من مؤهلات في مواجهة هذا الخضم المعقد الهائل من المشكلات؟!

هل عقم العراق عن تقديم كفاءة علمية أو أكاديمية أو جهادية، لكي يمنحها مسؤولية قيادته في هذه المرحلة الصعبة،؟! الأسئلة تترى واحدا بعد آخر ولا تنتهي، وكل سؤال يفضح بحد ذاته عقم الطبقة السياسية، ويكشف خوائها وزيف أطروحتها..

العراق بحاجة إلى رابع ،هو قائد بلدوزر ترنبول، وبمعيته فريق من الرجال الذين لا يكلون أو يملون، رجال لا يفرقون الليل عن النهار، يضعون العراق في قلوبهم لا في جيوبهم، وتجري حروفه في عروقهم لا في قصورهم، وبالتأكيد ومع فائق الإحترام لشخص الكاظمي كإنسان، فإن الرجل ليس من هؤلاء، لأن الذين دفعوه الى الأمام ليسوا من هؤلاء..! 

شكرا

23 ـ 4ـ2020

ـــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك