طيب العراقي
قبل أكثر من ألفي وخمسمائة عام؛ كتب القائد العسكري الصيني "سون تزو" في تحفته الكلاسيكية كتاب "فن الحرب"، والذي يدرس في أرفع الكليات العسكرية؛ ومدارس إدارة الأعمال في جميع أنحاء العالم
الكتاب يتكون من 13 فصلًا، ويعتبر من أهم ما كتب في العلوم الاستراتيجية، كما أن فلسفته والتكتيكات التي تناولها، إمكانية تطبيقها تتجاوز المجال العسكري، وتنسحب أيضًا على مجالات عديدة؛ مثل السياسة وإدارة الدولة والأعمال والقانون، بل وحتى فنون الدفاع عن النفس والرياضة.
ينتصر من يعرف متى يحارب ومتى لا يحارب؛ يقول "سون تزو": "القائد البارع في تحقيق النصر، يدرك تمامًا أن القتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة، وإنما التفوق الأعظم هو كسر مقاومة الخصم دون قتال..ويحقق النصر فقط من يستطيع اختيار المعارك الصحيحة ليخوضها."
لاشك أننا نخوض معركة فاصلة، مع خصم يريد إبتلاع العراق الى الأبد، بل يريد أن يحوله الى حافظة نقود يضعها في جيبه الخلفي، هذه المعركة متعددة الصفحات، إبتدأناها مع نظام صدام الدموي وقدمنا فيها قرابين طرزت جثامينها جيد أرض العراق، وما زلنا نقدم مزيد الى هذه اللحظة وبلا توقف..خضنا هذه المعركة بعناد إسطوري، وفي كل مرة كان العدو يلبس لبوسا مختلفا..
مرة كان العدو نظام ديكتاتوري دموي، مدعوم من العالم كله تقريباً، ولكننا هزمناه وصار من الماضي، ومرة نزل بجيوش واساطيل جرارة، مارينز وأباتشي وآلة حربية مرعبة، مدعمة بتكنولوجيا متطورة، وهذه المرة أيضا هزمناه وأجبرناه على الرحيل الرسمي..
في هذه الأثناء كان العدو؛ يعمل على عرقلة قيامنا ببناء نظام ديمقراطي حقيقي، لأنه يعرف أن الديمقراطية لا يمكن أن تعيش في بلد منقوص السيادة، ولذلك أنتج لنا تنظيم القاعدة الإرهابي، وعززه بقائمة طويلة من التنظيمات الإرهابية؛ جيش الراشدين، جيش عمر، جيش النقشبندية، الجيش الإسلامي العراقي، كتائب ثورة العشرين، جيش أنصار السنة،الجماعة السلفية المجاهدة، جيش محمد، جيش العزه..وأكثر من ثمانين أسم لمجاميع طائفية، أدخلتنا في آتون حرب طائفية مقيتة خرجا منها منتصرين،بعد أن أعدنا للعراق صورته البهية الناصعة,
ثمة مفارقة مهمة، وهي أن العراق بات بعد خلاصه من نظام صدام، قوة وسدا منيعا في معركة الوجود مع الكيان الصهيوني الغاصب، فقد أكتسبت جبهة الرافضين للوجود الصهيوني زخما عاليا، بإلتحاق العراق بها بعد رحيل صدام والبعثيين، الذين ملأوا الدنيا ضجيجا عن تحرير فلسطين، لكن الحقيقة أنهم كاوا مجرد "براغي" في المشروع الصيوأمريكي، فما كان من العدو إلا أن يلملم قواه، ويضيف زخماً لوجوده،ويتحول من مشروع صهيو أمريكي، الى مشروع صهيوسعوأمريكي، خصوصا بعد صعود ثنائي بن سلمان وبن زايد الى سدة الحكم في الخليج والجزيرة العربية..وهكذا كان داعش الذي كان مشروعا خطيرا لتمزيق العراق الى دويلات صغيرة، تكون جميعها محتاجة لرامبو المدجج بالجريمة..
إنتصرنا على داعش ومن خلفه وأمامه، وكانت ملحمة كبرى قادت المرجعية فيها الشعب وحشده، بمعركة رسالية لم نشهد مثلها، منذ أن ظهر الإسلام قبل خمسة عشر قرنا، وأنتصرنا إنتصارا باذخا، وأستطعنا تمزيق الصف المعادي شر تمزيق..
أعاد العدو لملمة صفوفه؛ في تشرين 2019 بعد إعداد إستمر عامين، وساعده في ذلك قرون الشيعة، الذين أغوتهم السلطة وإمتيازاتها، فكانت الإحتجاجات والتظاهرات فقط في المناطق الشيعية، وهو ما كشف عن غباء العدو، وسهل هزيمته لاحقا..
العدو مهزوم لامحالة، ومقدمات الهزيمة تجلت في تجميعه قواته في عين الأسد والحرير، وهذه أيضا سيرحل منها أُفقياً إن لم نجبره على الرحيل عموديا..وسنبقى نسطر الإنتصارات لأننا مبدأيين.
الجندي الصيني "كورونا" الذي أرسله تعالى ليقاتل معنا، قوي جدا وذو فعالية أضعفت العدو كثيرا، وها هي لحظة إنتصار البشرية جمعاء على العدو تقترب من أن تحصل..علينا ونحن المكتوين بنيران شر العدو المجرم ، أن نستثمر اللحظة وإلا فلتت منا الى الأبد.. الفرص كالسحاب تمر ولا تعود "
في كتاب"فن الحرب"، ثمة فصل؛ يتحدث فيه عن وسائل المخادعة والمناورة، يقول؛ "الحرب خدعة، لذا فعندما نستطيع الهجوم، يجب أن نبدو كما لو كنا عاجزين عنه، وعندما نناور ونتحرك بالقوات يجب أن نبدو خاملين، وعندما نقترب يجب أن نجعل العدو يظن أننا بعيدون، وعندما نكون بعيدين يجب أن نجعله يظن أننا قريبون".
في موضع آخر يترك لنا هذا القائد وصية لا تقدر بثمن، يقول فيها؛ "في البداية أظهر خجل العذراء اليافعة، إلى أن يكشف العدو عن ثغرة في صفوفه، لحظتها نافس الأرنب البري في سرعته الكبيرة وأنت تهجم عليه مباغتًا، فيكون الوقت متأخرًا عليه كي يقاومك أو يصد هجومك".
شكرا
16/4/2020
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha