طيب العراقي
ترسخت وعلى مر أكثر من 1400 عام، فكرة أن عمرو بن العاص كان داهية العرب، وأن ابو موسى الأشعري كان"قشمرا"، إبتلع بسذاجة أو حسن نية، طُعم لعبة التحكيم بين علي عليه السلام ومعاوية..والحقيقة هي أن الأشعري لم يكن "قشمر" أبدا، فقد كان شريكا في اللعبة، وكان أداتها الأكثر فاعلية لسبب بسيط، وهو أنه كان من رهط علي عليه السلام، أو هكذا كان يبدو للعيان!
اللعبة هنا في بغداد؛ أكبر مما يتصورها الذين سفحوا ماء وجوههم، وهم يدلفون بوابة قصر السلام، حيث جرت مراسيم تكليف الكاظمي بديلا عن الزرفي، وكان واضحا ان هدف بعضهم؛ هو مجرد أن يدخل القصر، بعدما تأكد له أن هنا يصنع الملوك، وليس تحت قبة "البرلمان" حيث بيت الشعب.
صورة أبو موسى الأشعري كانت حاضرة أمامي، وأنا أتابع إدعاء تحقيق منجز بتكليف الكاظمي، وسماع تكرار القول السمج بإرجاع استحقاق الكتلة الأكبر، التي يقولون أن "برهم" صادرها.
الساسة الشيعة بدوا في أشد حالاتهم ضعفا؛ لماذا؟! لا أحد يعرف السبب بالضبط، لكن سوء الأداء، وضعف القراءة الإستراتيجية للمتغيرات الجيوسياسية، لدى قادة الشيعة أسهم فيما وصلنا أليه، وهم وحدهم وليس غيرهم، من يتحمل المسؤولية التاريخية، فيما نحن فيه من حال الهوان.
لا أعلم لِمَ أتذكر دائما؛ أنشودة (برهم..برهم..برهومي) التي كان يرددها غوار الطوشة وزميله أبو عنتر، في المسلسل السوري القديم المشهور "صح النوم"، عندما كانا في السجن، لكني تخيلت زعماء الكتل السياسية الشيعية؛ يرددون نفس الأنشودة على باب قصر السلام، كي يؤذن لهم بالدخول!
الإدعاء بمصادرة "برهم" لحق الكتلة الأكبر بترشيحه الزرفي؛ لا يقول إلا جزءا يسيرا من الحقيقة، لأن برهم منع علي الاحزاب الشيعية تباعا، أن ترشح مرشح (الكتلة الأكبر)، فقد رفض كل من: السهيل، والعيداني، السوداني، ودفعهم بحذاقة الأشعري وليس بدهاء ابن العاص، الى أن يرشحوا الكاظمي، الذي قبله بكل سرور، خالعا الزرفي الذي كان ترشيحه بمثابة (زواج محلل)، بعد أن جرى تطليق الزوجة (الحكومة) ثلاث مرات!
هكذا فإن "برهم" لم يكن ليسمح للكتلة الأكبر، أو المكون الأكبر بالنتيجة، أن تمارس حقها الا حينما؛ يكون مرشحها طبق مواصفات أمريكية، كان برهم حريص على تنفيذها بدقة، وهو بيت القصيد في الأزمة السياسية، التي يمر بها العراق منذ ستة أشهر تقريبا!
قلنا أن الساسة الشيعة بلعوا الطعم، فقد خضعوا لضغط إعلامي هائل ، يروج لإنقلاب عسكري، ولضربات نوعية لمواقع الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وقادتها، رافقته مناورات أمريكية/ إماراتية، ونحو ذلك من رسائل تهديد وضغط، لكن كل ذلك يتغير فجأة؛ إلى طلب أمريكي مقدم إلى الحكومة العراقية، لعقد اتفاقية استراتيجية؟!
الأمريكي إستطاع خصوصا بعد المظاهرات، أن يكسب فكر العديد من أبناء الشعب؛ من خلال إدارته بمهارة فائقة؛ لوسائل التواصل الاجتماعي، فعمل على الدعوة لعقد هذا الحوار، لكسب وده الشعب زيادةً، لأن ثمة سمة عامة تشترك بها كل الشعوب، بما فيها الشعب العراقي، وهي الميل والاستجابة لكل من ينادي بالإصلاحات الاقتصادية، ويدعو لفرض الأمن، الأمر الذي سيجعل من هذا الشعب، أداة المستقبل لأمريكا ضد أعدائها في العراق، بعد قليل من الجهد في هذه الاتفاقية.
هذه الإتفاقية يريدها الأمريكي إلتفاف عملي؛ على القرار العراقي البرلماني والشعبي، بخروج قواته من العراق، خصوصا بعد جريمة الأمريكي بقتل قادة الإنتصار؛ لكن الأمريكي يعرف أن عادل عبد المهدي القريب من الحشد، لن يكون جسرا لعقد إتفاق مشبوه، ثم أنه خرج ولن يعود.
إذاً فإن المطلوب هو رئيس وزراء قادر على عقد إتفاق "صفين" جديد، ويتعين أن يكون رئيس الوزراء ناعم الملمس، وليس خشنا كالزرفي؛ الذي شهر سيفه بوجه القوى السياسية الشيعية،..فكان الكاظمي عز الطلب ونهاية الأرب..!
ـشكرا
11ـ4ـ2020
******
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha