قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
أجد أن من يتحدثون عن أن تغييرا كبيرا؛ سيحدث في زمن ما بعد كورونا على حق، فقد عرى هذا الفيروس الشرس؛ أوربا ودول الغرب، وكثير من الدول التي توصف بأنها متقدمة؛ وكشف أنها وبرغم واجهات الزجاج التي تغلف مبانيها، منخورة من الداخل بنيويا وقيميا، وأنها ستتحول في زمن ما بعد كورونا الى أطلال دول، وأن الصين وإيران ودول من آسيا، التي كانت الى زمن قريب جدا، توصف بأنها دول العالم الثالث، ستكون قائدة لعالم ما بعد كورونا!
ستزداد أعداد المؤمنين بالخالق بشكل لافت، وسينحني العلمانيون إجلالا لكائن صغير جدا، وربما سيكونون مضطرين لأن يتخذونه إلها، الليبراليون والشيوعيون؛ الذين عودوا أنفسهم هذه الأيام على النظر الى السماء، سينسون عقائدهم وسيخجلون منها؛ وسيشاركون مضطرين؛ بماراثون العودة الى قيم وأخلاق الفطرة الإنسانية السليمة.
ترامب شيطان العصر وقبيله سيختفون، وربما سيموتون مشيعين باللعنات، جيشه الجبار سيتفكك؛ لأن عالم ما بعد كورونا، لن يكون بحاجة الى جيوش، بل سيكون بحاجة الى علماء وباحثين وأطباء وعمال ومزارعين، وستتقزم أمريكا الى دولة منكفئة على ذاتها، تلعق جراحها، محاولة بلا جدوى، إبقاء ولاياتها متحدة كما هي قبل كورونا!
عراقيا سيكون المشهد ألقادم؛ متنافرا بشكل حاد عن مشهد الأمس، فلا الطبقة السياسية التي أعتلت ظهورنا؛ في غفلة عن الزمن ستبقى، ولا أدعياء التحضر والمدنية وأتباع جيفارا، سيكون لهم دور في قادم الأيام، ولا أبواق التظليل الإعلامي؛ من مزوري الحقائق وماسحي الأكتاف والأحذية ولاعقي القصع، سيكون لهم مكان في عالم الحقائق المجردة القادم.
في العراق أيضا؛ سنرى حالا مختلفا لمنتحلي الوطنية، أولئك الذين صدعوا رؤوسنا قبل كورونا، لكنهم صمتوا صمت أهل القبور في زمن كورونا، لأنهم بالحقيقة لا يمتلكون شيئا يقدمونه وقت المحنة، ولأنهم تعودوا أن يأخذون لا أن يعطون، وسيسحقهم واقع جديد؛ يفرض على العراق سطوته قائلا؛ أن لا مكان للأدعياء من لصوص التاريخ وسراق الوطن..
في العراق أيضا؛ ستظهر مفاهيم جديدة للوطن والمواطن والمواطنة والوطنية، مختلفة بشكل كلي، عن المفاهيم التي زرقها في عقولنا؛ أنبياء القومية العربية، ساطع الحصري وأكرم الحوراني وحسنين هيكل وميشيل عفلق وأمثالهم، تلك المفاهيم التي تعرف الوطن على أنه دولة وحدود جغرافيا، والمواطن مجرد "تابع" من"أتباع" تلك الدولة، والمواطنة ليسا لأكثر من بطاقة أحوال شخصية، نحصل بموجبها على حصة غذائية.
أما الوطنية التي تعني بمفاهيم ما قبل كورونا، أن نموت في سبيل الوطن، فإن كورونا سيجبرنا على إعتناق مفهوم جديد لها، هو نقيض نافرا للمفهوم الغبي الذي ألفناه، وسنتبنى طائعين أو مرغمين، مفهوم أن نعيش من أجل الوطن، وسنضطر أن نغير كل تفاصيل حياتنا؛ بناءا على هذا المفهوم، الذي أكتشفنا عقلائيته متأخرين، حينما وجدنا بعضنا وبجهالة متعمدة، يأخذنا في زمن تفشي كورونا الى حتوف مجانية، ضاربا عرض الحائط؛ قوله تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).
حتى علاقتنا بالخالق جل في علاه؛ ستعود الى جذرها الأصلي، إذ سيكون لحياة ما بعد كورونا، معنى وطعم مختلف تماما عما قبلها، وسيكون العيش من أجل الله تعالى خيارنا الأول، أما الموت في سبيله تباركت آلاؤه، فسيكون تحصيل حاصل؛ لمن يحبون الحياة من أجل من خلقهم!
كلام قبل السلام: نسقط تارة ونقف تارة أخرى، لكن كورونا ستساعدنا، في مهمة تعرية العقل المتخلف، وما لم يُدرك بالعمل القليل..يدرك بالكثير.
سلام...
https://telegram.me/buratha