محمد كاظم خضير
قَلَب الكورونا حياة البشر على الكوكب. دمّر تواصل الأفراد الانساني ودفء الإجتماع، وأحلَّ محلهما الخشية من "الآخر" والانطواء في ظل غريزة البقاء.
ستزول هذه الشِّدة، لكنها ستزيل معها مفاهيم ومسلَّمات ومحرَّمات وستجرف أنظمة تعيش على الكذب منذ عقود أو سنوات.
دول كبرى ومتقدمة ستسأل كيف فاجأها فيروس غير مرئي ليدمر دورة حياة اقتصادية ومالية وسياسية بَنَتها بكل ما أوتيت من أدوات، وستتعجب من هشاشتها إزاء عدوى خرجت من آكل وطواط صيني أو من مختبر تلاعَب بأنابيب الاختبارات. لكنها ستستخلص العِبر وتجند العلم والمال تحسباً لحادث ليس في البال.
سيسأل مؤمنون سؤال اسقف كنتربري روان وليامز إثر تسونامي شاطئ المحيط الهندي الذي أودى بـ 230 ألف قتيل (دايلي تلغراف 1-2-2004) "أين الله من كل ذلك...؟"، ولن يكتفوا باعتبار الجائحة بلاء أو تجريباً للإنسان. ولا ندري هل ينكفئ البعض عن الايمان أم عن ممارسات لا تمس جوهر العقائد، أم يذهب آخرون الى تشدد ديني غارق في غيبيات القرون الوسطى.
سيكون الموضوع مفتوحاً. لكل دولة ومجتمع وشريحة إجتماعية ودينية أسئلتها وأجوبتها. لكننا نحن في العراق لدينا هاجس أولي يجب ان تصغر أمامه سائر الاهتمامات، هو هاجس تشكيل حكومة وإقامة دولة وحدها شاطئ الأمان واليد الحانية في الملمات.
ستفشل بالطبع أي مبالغة تذهب الى الغاء النظام الليبرالي في السياسة . لكن حرية السياسية في تكليف اي شخص يجب ان تخدم الشعب وليس "تحالف الحرامية" رجال أعمال وسياسيين وموظفين فاسدين. المبادرة الفردية ياسيد برهم لا يمكن ان تفلت الحبل على غاربه للاحتكارات والمناقصات والفساد لأشخاص فاسدين ولا لجَني المال الحرام عبر ريوع تضرب البلد .
على العراقيين جميعاً التصدي لأي محاولة لإقامة ديكتاتورية بحجة بناء الدولة القوية. فالديموقراطية وحرية الرأي قدس الأقداس. لكن الدولة يجب أن تأخذ على عاتقها قدراً أكبر بكثير من المسؤولية خصوصاً في مجال الصحة والتعليم، ولا مفرَّ من اعادة التجنيد الالزامي شاملاً الشباب والفتيات لنكوّن جهوزية عامة في مواجهة النوائب تحمي الأجيال.
شرط كل ما تقدم أن يتخلى الجميع عن الأوهام والتخلّف. فنُسقط سلطة المحاصصة والمذاهب ونظرية "المكونات" بالتوازي مع التسليم بأولوية المواطنية وبوحدانية السلاح الشرعي والانتهاء من كل الولاءات الفوق وطنية.
ليس مبكراً هذا الكلام. روحيته يجب ان تحكم سلوك عدنان الزرفي في تشكيل الحكومة . صحيح ان ما بدر منها حتى الآن استمرار للسياسات محصاصة . لكنها في الواجهة، وآلت على نفسها تحمل المسؤولية في هذا الوقت الحرج. فإن أدارت موضوع الكورونا بطريقة مسؤولة وفاعلة (ليس على غرار السماح بهبوط الطائرات ) بدءاً من الآن، "ضربنا" لها السلام، وإذا اتخذت قرارات سياسية لمصلحة الناس وليس عصابة سياسين الصدف قدرنا لها تصديها لتحالف الحيتان. .
حين كان النازيون يقصفون لندن في الحرب العالمية الثانية اطمأن تشرشل الى سير العدالة في بريطانيا. بناء الدولة يبدأ في زمن النوائب، وعماد الدولة استقلال القضاء. فلتُوقَّع التشكيلات بلا مماحكات ولف ودوران وليتضبضب المصرون على المحاصصات. ولتكن أولى اللبنات.
https://telegram.me/buratha