طيب العراقي
مر التاريخ الإسلامي ـ العربي بفترات مظلمة، إدلَهَم فيها الخطب وكاد الإسلام أن ينتهي من سجلات الوجود، لولا أن الباريء عز وجل؛ قدر حسم الأمر بقرآنه العظيم سلفا، بقوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ـ سورة الحجر - الآية 9..
"الذكر" ليس هو القرآن الكريم فحسب؛ كما يذهب الى ذلك كثير من المفسرين، الذين ينيطون تفاسيرهم بمعاني الكلمات، ولا يرجعونها الى المقاصد الكبرى، التي هي الإسلام بجميع تفصيلاته، إذ لا يمكن تخيل دين الإسلام بدون القرآن الكريم، والذكر منظومة رجال أحرار، وقيم قرآنية نبيلة..وثورات أيضا..!
الفترات المظلمة كانت طويلة وشغلت معظم التاريخ الإسلامي، وبالحقيقة ليس في تصورنا فترة منيرة إلا تلك السنوات الأربع، التي آلت فيها الأمور الى الذي كان الحق يدور معه، أينما دار يدور؛ علي بن ابي طالب عليه السلام..
أحلك تلك الفترات ظلاما؛ كانت الفترة التي حكم فيها المماليك الأمة الإسلامية، وتسلطوا فيها على البلاد والعباد، لقد حكم المماليك مصر والشام والعراق، وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن، وبالتحديد من 1250 إلى 1517 م. ثم عادوا ليحكموا في العراق 1749-1831م، وأستمر وجودهم وتأثيرهم بالحياة السياسية العراقية خلال العهد الملكي، ومنهم أسر لسنا في وارد ذكرها الآن اضيق المقام وبعد المقصد، بقيت تسيطر على مفاصل مهمة في التجارة والمال والعقار والسياسة ابضا الى يومنا هذا!
كانت تسمية المماليك؛ تشير إلى العبيد البيض، الذين كانوا فرسانا وجنودا محاربين، يؤسرون في الحروب، يتم عرضهم على مندوبي الدول والحكومات في أماكن خاصة، حيث يتم إفتداؤهم بمبالغ مالية تدفع للمسؤولين عنهم، ويتم جلبهم إلى الدولة الأيوبية، ومن قبلها الدولة العباسية، ليتم تعليمهم وتدريبهم في مدارس عسكرية خاصة، ليتخرجوا منها قادة وفرسانا وجنودا مؤهلين، يرفدون الجيش ويمدوه بدماء وخبرات وقدرات جديدة، تزيد في قوة الجيش ومنعة الدولة وحماية السلطان، الذي كان مسلما بالإسم فقط على الأعم الأغلب...
المماليك هم اذأَ جنود السلطان وحماته، وهم أيضا يده الضاربة القوية، وهم أدواته الباطشة لتركيع الأمة، ومنعها من أن ترفع رأسها.. ولم يسلم من بطشهم حتى الولاة والحكام والسلاطين الذين كانوا يخدمونهم، وأنتهى المطاف بأن تولوا هم الحكم بأنفسهم، لتغرق البلاد بادماء والفساد قرونا طويلة.
مع إحتلال العراق من قبل الأمريكان عام 2003، وقيامهم بحكمه بشكل مباشر لغاية عام 2010، وبشكل غير مباشر لغاية اليوم رغم إرادة شعبه، كانوا يبذلون جهدهم لصناعة "مماليك" جدد، دربوهم ليكونوا خدما مطيعين ينفذون سياساتهم، وهيأوهم لحكم العراق ةفقا لرؤية أمريكية محظة..أمثال هؤلاء تجدهم مبثوثين هنا وهناك، في كثير من المواقع السياسية والحكومية، وأوصلوا كثير منهم الى مفاصل حاكمة بالقرار العراقي..
المماليك الجدد موجودين اليوم؛ في إحدى الرئاسات الثلاث، ومنهم نواب منتخبين، وزعماء لقوى سياسية، وهم أيضا موجودين في حركة التظاهرات، وهم الذين أحرقوا الشارع العراقي..هم "الجواكرة" الذين لعبوا لعبة هدم القيم والأخلاق فأجادوها..
اليوم ثمة محاولة لتمرير رئيس وزراء منهم..! كنت اعجب وأسأل: كيف لأمة ان يحكمها المماليك من خدم وجوارٍ؟ حتى رأيت ما رأيت من البيت الشيعي الذي قبلت أطراف منه؛ بترشيح الزرفي لرئاسة الوزراء..!
شعبنا حر حي ثائر، ومرجعيتنا حكيمة قائدة، وحشدنا يزداد قوة وعزيمة وإصرار، ولن يحكمنا مماليك قط..!
شكرا
https://telegram.me/buratha