عادل الجبوري
في تقريرها الأخير الى مجلس الأمن الدولي، كما في تقاريرها الأخرى السابقة، ومجمل تصريحاتها وبياناتها، تعمدت المبعوثة الاممية الى العراق السيدة جينين بلاسخارت، تناول الوضع العراقي بصورة انتقائية، وبعيدة عن الحيادية والموضوعية، وكأنها طرف في الازمات والقضايا القائمة، وليست ممثلة لاكبر منظمة دولية، يفترض ان تتمتع بأقصى درجات المهنية والحياد والموضوعية عند اداء المهام والادوار المناطة بها والمطلوبة منها.
جزء مما عرضته بلاسخارت، هو واقعي وواضح لكل من يتابع ويراقب الأمور في البلد، في حين أن جزءًا آخر من تقرير المبعوثة الاممية، تضمّن مغالطات وادعاءات، وانطوى على تدخلات غير مقبولة بالشأن الداخلي.
صحيح أن منظمة الأمم المتحدة معنية وفق ميثاقها بالصراعات والمشاكل والازمات التي تحدث في أي بلد عضو فيها، وايجاد الحلول والمعالجات المناسبة عبر الوسائل والسياقات السياسية الدبلوماسية، أو من خلال الوسائل العسكرية في حال اندلاع الحروب والصراعات المسلحة، بيد أن ذلك لا يتيح لها التدخل بأكثر من ذلك، من قبيل اختيار وتحديد النظام السياسي، أو دعم هذه الشخصية أو تلك لتولي أي منصب في بلد ما، أو العمل والتحرك مع أي كيان سياسي داخلي أو خارجي لتنفيذ أجندة معينة.
لكن بلاسخارت ذهبت بعيدا، وتجاوزت كثيرا طبيعة وجوهر مهامها ووظائفها، وقد بدا ذلك واضحا الى حد كبير طيلة الشهور الخمسة المنصرمة، سواء من خلال تحركاتها خلف الكواليس أو في الاضواء، أو عبر تصريحاتها وبياناتها الاعلامية.
وفي تقريرها السابق الى مجلس الامن، الذي صدر في منتصف شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي، وفي ظل ذروة الاوضاع المضطربة في العراق، تغاضت بلاسخارت عن حقائق ووقائع دامغة على الارض، من قبيل احراق عدد من المقار الدبلوماسية الاجنبية من قبل الجماعات المخربة والمنفلتة، والاعتداءات على القوات الامنية وعلى الممتلكات العامة والخاصة، وتورط جهات خارجية في دعم وتمويل المجاميع المخربة وتحريضها على احداث الفوضى والاخلال بالامن والاستقرار، بينما ركزت بلاسخارت على مسائل من قبيل "الميليشيات المدعومة من ايران"، "والاعتداءات على المتظاهرين"، و"التجاوز على حقوق الانسان". وكل هذه المفردات والتعابير تعد فضفاضة وقابلة لاكثر من تفسير، ناهيك عن انها ذات العبارات التي يرددها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو وساسة اميركيون وبريطانيون في معظم الاحيان، حتى بدا ان السيدة بلاسخارت متحدثة باسم الخارجية الاميركية او البيت الابيض اكثر مما هي ممثلة للمنظمة الدولية في العراق.
أضف الى ذلك، فإن تصريحات بلاسخارت المثيرة للجدل، غالبًا ما تأتي متزامنة أو قريبة من حيث التوقيت مع مواقف دولية، بذات الاتجاه، كما هو الحال مع البيان الذي صدر من سفارات بريطانيا وفرنسا والمانيا في بغداد حول التظاهرات، خلال النصف الاول من شهر كانون الاول-ديسمبر من العام الماضي، متضمنا مغالطات وادعاءات لا أساس لها وتدخلات لم يكن ممكنا القبول بها.
الى جانب ذلك فإن المبعوثة الأممية وبعد لقائها المرجع الديني اية الله العظمى سماحة السيد علي السيستاني في النجف الاشرف في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني - نوفمبر الماضي، نقلت عنه تصريحات غير دقيقة بخصوص أهمية بقاء المتظاهرين في ساحات التظاهر، الامر الذي اضطر مكتب المرجع الى اصدار توضيح بهذا الخصوص في حينه.
وفي واقع الامر، ان السيدة بلاسخارت ضيعت "حيادية" الأمم المتحدة كمنظمة دولية ومظلة شاملة للمجتمع الدولي، حينما راحت تتبنى مواقف وتوجهات لصالح هذه الجهة او تلك، وتدين وتستنكر، وتحدد ما ينبغي فعله وما لا ينبغي.
وتتأكد هذه الحقيقية، حينما تأتي مواقف واطروحات وتصريحات وبيانات المبعوثة الاممية متناغمة ومنسجمة مع مواقف واطروحات وتصريحات قوى واطراف داخلية وخارجية معينة، وموجهة ضد قوى وأطراف أخرى.
من يتابع مجمل حراك بلاسخارت ومواقفها يشعر بأنها في كثير من الأحيان لا تختلف عما يطرحه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو
أو سفير واشنطن في بغداد، أو دبلوماسيون أجانب آخرون حول الوضع العراقي.
وكان طبيعيًا جدًا أن تقابل اطروحات ومواقف المبعوثة الاممية سواء السابقة أو الأخيرة بردود فعل غاضبة ورافضة ومستهجنة من قبل أوساط ومحافل سياسية عراقية، لأن المنتظر والمتوقع من المنظمة الدولية ومبعوثيها الى العراق، أن تكون جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة، وأن لا تتحول جينين بلاسخارت الى جينين بومبيو!
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha