عادل الجبوري
يتضمن المنهاج الوزاري لحكومة محمد توفيق علاوي المرتقبة، فقرات وبنود عديدة، تتناول قضايا الاقتصاد والصحة والتعليم ومكافحة الفساد وتفعيل قطاعات الصناعة والزراعة وتعزيز الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص، ومعالجة الخلل والضعف في المنظومتين الامنية والعسكرية، فضلًا عن اجراء انتخابات برلمانية مبكرة في غضون فترة زمنية لا تتعدى العام الواحد.
ولا شك أن مجمل ما تضمنه المنهاج الوزاري، جاء ليعكس في جانب كبير منه مطالب الحراك الجماهيري السلمي وتوجيهات ووصايا المرجعية الدينية، ومقتضيات وضرورات الواقع واولوياته، وبما يتطلبه من حلول ومعالجات عملية وسريعة.
ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي المكلف حرص على أن يعرض ويعلن منهاجه الوزاري قبل نيل كابينته المشكلة ثقة البرلمان، وهو ما يعني أنه أراد ايضاح طبيعة تفكيره وخارطة عمله ورؤيته العملية في ادارة شؤون الدولة خلال المرحلة القادمة.
وطبيعي أن يكون المنهاج الوزاري المعلن مثار نقاش وجدل واسعين في الأوساط السياسية والاعلامية والثقافية المعنية، انقسم بشكل عام الى اتجاهين، الاول يرى أن هناك ما هو جديد في منهاج علاوي وينسجم مع متطلبات الظروف والأوضاع التي يعيشها العراق، والجديد يتحدد بالتالي:
- اجراء انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عام واحد.
- مشاركة أكبر عدد من الخبراء والمتخصصين والاكاديميين في وضع المنهاج، بطريقة مركزة ومختصرة بعيدا عن الاستغراق في التفاصيل والجزئيات المملة والعسيرة على الفهم، فضلًا عن متابعة تنفيذ بعض مضامينه، لا سيما المتعلقة بمكافحة الفساد.
- التركيز على تنمية القطاع الخاص بشتى جوانبه وعدم الاكتفاء بالنفط كمصدر أساسي للدخل القومي للبلاد.
- إفراد حيز كبير ومهم للقطاعات الخدمية الاساسية، بما يعكس الاستجابة لمطالب الحراك الجماهيري السلمي، ومعالجة النقص والخلل فيها.
- وضع سقوف زمنية تلزم الوزراء بتنفيذ الجوانب المتعلقة بوزاراتهم في المنهاج.
في مقابل ذلك، فإن الاتجاه الآخر يرى أن ما تضمنه المنهاج الوزاري لحكومة علاوي، لا يختلف من حيث الجوهر والمضمون عن مجمل البرامج والمناهج الحكومية السابقة، ولا عن الأطروحات والبرامج السياسية والانتخابية لمختلف القوى المساهمة في العملية السياسية على مدى السبعة عشر عاما المنصرمة، التي انطوت على قدر كبير من التنظير غير الجديد بالنسبة للمواطن العراقي، وبقيت في اطارها العام حبرًا على ورق.
في ذات الوقت لاينكر الاتجاه الثاني، وجود ميزات وخصائص في منهاج علاوي، ربما لم تكن موجودة ومتوافرة بالقدر الكافي في التجارب السابقة، من بينها الاختصار والوضوح والتركيز وترتيب الاولويات بحسب الاحتياجات والاستحقاقات.
بيد أن التساؤل الجوهري والمهم يكمن في امكانية تطبيق المنهاج على ارض الواقع، في ظل قدر كبير من التقاطعات والاختلافات، والمشاكل والازمات، فضلًا عن ضغط عامل الوقت.
لا شك أن الاستحقاق الرئيسي أمام الحكومة المرتقبة، يتمثل في تهيئة الظروف والمستلزمات المطلوبة لاجراء انتخابات برلمانية مبكرة، تكون بمثابة مقدمة ومدخل لتحقيق بقية الخطوات والاجراءات الاصلاحية، باعتبار أن الانتخابات يمكن أن تفرز طبقة سياسية جديدة، وتنهي مظاهر الاحتكار والاستئثار الذي أفرز أخطاء وسلبيات كثيرة في الاداء السياسي وراكم الفساد الاداري والمالي في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع.
ولعل اجراء الانتخابات المبكرة، كما دعت الى ذلك المرجعية الدينية وساحات التظاهر السلمي، يشتمل على آليات تنفيذية تقع على عاتق الحكومة، وآليات أخرى ترتبط أساسًا بالسلطة التشريعية (البرلمان)، الذي يتحتم عليه حل نفسه تمهيدا لاجراء الانتخابات بعد ستين يومًا من ذلك، كما نصت المادة الرابعة والسبعون من الدستور العراقي النافذ، وهذه الخطوة لا تخلو من مصاعب وتعقيدات سياسية أكثر منها فنية وتقنية ترتبط بطبيعة الواقع السياسي الراهن.
أي أن جزءًا من المهمة يقع على عاتق الحكومة، وجزءًا آخر يقع على عاتق القوى السياسية المختلفة، لا سيما الرئيسية منها، مع أهمية ابقاء ضغط المرجعية والشارع، مع التأكيد على أن الدور الحكومي يبقى محوريًا ومهما الى حد كبير.
وثمة من يرى أن حكومة علاوي اذا نجحت في انجاز استحقاق الانتخابات المبكرة، وتجنب أخطاء وانحرافات التجارب الانتخابية السابقة، وبالتالي افراز واقع سياسي جديد، تكون قد وضعت الاسس والركائز الرصينة على طريق الاصلاح السياسي، الذي مثل أحد أبرز مفاصل المنهاج الوزاري.
وبما أن عمرها الافتراضي عام واحد، فإنه من غير المعقول ولا المنطقي مطالبة حكومة علاوي بانجاز وتحقيق كل ما تضمنه المنهاج الوزاري، لان هناك قضايا يمكن الشروع بها والوصول الى نتائج عملية ملموسة لها خلال فترات زمنية قصيرة، بينما هناك قضايا اخرى تتطلب فترات زمنية طويلة، لا سيما تلك المتعلقة بالمشاريع والخطط الاستراتيجية، ناهيك عن وجود الكثير من السياقات البيروقراطية وحلقات الفساد، وجماعات المصالح الحزبية والفئوية الخاصة المتغلغلة في مؤسسات ومفاصل الدولة بكل مستوياتها واتجاهاتها، التي تعرقل اية توجهات اصلاحية تصحيحية تتقاطع مع مصالحها ونفوذها ووجودها، مضافا الى ذلك تأثير الاجندات والمشاريع الخارجية التي غالبا مع تتقاطع مصالحها هي الاخرى مع المصالح الوطنية، واقرب مثال ومصداق على ذلك، الاحتلال العسكري الاميركي في العراق، الذي تصر واشنطن على استمراره، رغم المواقف السياسية والشعبية العراقية الرافضة له والمطالبة بانهائه.
ربما تكون طبيعة التشكيلة الحكومية الجديدة، عاملًا مساهمًا ومؤثرًا في تحقيق وانجاز المسائل المهمة والملحة في المنهاج الوزاري، وفي مجمل الاداء المهني الوظيفي، فهي كلما ابتعدت عن المنظومات الحزبية وتأثيراتها السلبية، وانعتقت من قيود المحاصصة الضيقة، كلما كانت قادرة على تقديم حلول وطرح معالجات أكثر واقعية وعملية لمشاكل وازمات الدولة والمجتمع، بيد أن التأثير والنفوذ والهيمنة الحزبية بشقيها السلبي والايجابي، لا يمكن ان ينتهي ويتلاشى بالكامل، لان الحياة السياسية ايا كانت طبيعة النظام السياسي، تقوم على وجود الاحزاب، وبالتالي، فإن مفهوم الاستقلالية، يبقى عائما وهلاميا وفضفاضا في ظل اجواء ومناخات وفضاءات حزبية، تحتاج الى تقنين وتنقية وتصحيح، يخرجها من حالة الفوضى والتخبط، ويجردها من قدرة وسطوة سلب وتجريد الدولة من نقاط ومصادر قوتها المادية والمعنوية، فضلا عن ذلك فإنه من الخطأ القول والادعاء بأن كل من يحمل هوية استقلالية يعد نزيها وكفوءا ومخلصا، ومن يتبنى اتجاهًا أو عنوانًا حزبيًا معينًا هو فاسد وفاشل ومحتال.
وفي كل الاحوال، تبقى مسألة كسر القواعد والأطر السياسية والحزبية التي تشكلت واستفحلت طيلة سبعة عشر عامًا، أمرًا لا مناص منه ومهما للغاية، ويبدو أن علاوي قد شرع بها، ولعل تطبيق منهاجه الوزاري سيكون أحد أهم وابرز معايير التقييم ومؤشرات النجاح، وقد تكون المهمة صعبة وشائكة، لكنها ليست مستحيلة بالكامل.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha