طيب العراقي
صورة الذين يعتدون على رجل المرور في الشارع، ويجرجرونه من ياقته، ويرمون قبعته بعيدا، ثم يطرحونه أرضا، ليشبعوه ضربا، فقط لأنه واقف في الشارع لتنظيم السير، تفصح عن حقيقة وأهداف ما يجري في العراق..
الحقيقة أمر من العلقم..وما نشهده اليوم في كثير من البلدان في العالم، وفي العراق خاصة، من تحلل المجتمعات من القيم والضوابط، وشيوع الفوضى والرغبة بالثأر والانتقام، وتلاشي الأحلام وقفل آفاق المستقبل، وإستغراق المجموعات والأفراد؛ في إيقاظ جراح الماضي؛ من الأمس القريب وصولا إلى مئات وآلاف السنين، يكشف أن العقل وقبله الأخلاق والقيم قد غابت جميعا، وحلت محلها السفالة والدناءة، وبطولات الرعاع وقيعان المدن.
عندما تُغَيَبُ الأخلاق والقيم؛ تسقِط المعايير والمواصفات والإلتزامات، وعندها يتجرأ الجاهل على العاقل؛ والمرتكب على البريء، وتُستباح قواعد الانتظام المجتمعي، وتتلاشى ثقافة الأعراف العريقة؛ المانعة للتفلت والتفكك والانهيار، وتعم الوقاحة وتستباح المقامات.
عندما تداس القيم بأحذية صبية الطرقات؛ تنهار الدولة ومؤسساتها، وتحل محلها الشوارعية، وتتقدم السفاهة على الفصاحة، والدجل على الصدق والالتزام، ويسود الادعاء وارتكاب المحرمات.
هنا في العراق، وقريبا جدا؛ وبعد غياب أو تغييب القيم والأخلاق، سيتغيب لمنطق ـ أوهو قد تغيب فعلاـ ويحل محله إنفلات عام، وتتبدل الألوان لتصبح جميعها بلا لون، ويولد دين جديد هو دين الشارع المتحلل من كل الضوابط، ولا يبقى معنى للحلال والحرام، وتتجدد شريعة الغاب بأثواب حديثة، وتستبيح وحوش عشاق السلطة كل المحرمات.
حينما تكتمل ملامح المشهد الخالي من كل إعتبارات العقل والقيم والأخلاق، سيصبح العراق حقل رماية لأسلحة الإستكبار العالمي، ويغدو العراقيين فئران مختبرات، لقيم وأخلاق الغرب، ولقياس مدى تأثير جزمة المارينز الأمريكي؛ على الرؤوس المسحوقة تحتها، ولا فرق أن يكون الرأس المسحوق شيعيا أو سنيا أو كرديا!
قبل المشهد الحالي؛ جرى تثقيف محموم على مفاهيم أبناء الست وأبناء الجارية، ونبش في تنور أبناء المدن وأبناء الارياف النائية، وعراقيي الخارج والداخل، وتقدم أدعياء الاختصاصات المحدودة على أصحاب الأحلام غير المحدودة، عزز ذلك فساد في كل شيء، وهيمنة الشطار والعيارين التافهين، من الزعماء السياسيين الكبار والصغار؛ ومعهم الذين يحتقرون الناس؛ ويتوهمون تفوقهم على الآخرين، مرة بالعنف او بالنسب، وأخرى بالولاءات الخارجية، وثالثة بالإفلات من جرائم الفساد؛ والإستهتار بحقوق العراقيين بدون عقاب!
اليوم يراد أن تنعدم الملامح والأسماء، ويصبح لا فرق بين اللا-أحد والأسماء المعتبرة، ونصبح جميعا أذلاء خانعين؛ لسطوة الشارع وقيم الرعاع، ويسود الظلام وتتنطح بوَمَهٌ؛ للتحكم بالبلاد والعباد، وتنعدم الأسئلة وتكثر الإجابات، ويغيب إبداع الشعراء؛ وتصدح خطابات الببغاوات؛ ويموت الحمام وتستوطن الغربان.
القصة ليست في خاتمتها، وما يزال الأغبياء الساسة، أو الساسة الأغبياء يحاولون إستحمار الناس، فأصبحوا وهم الخاوين من الفكر والعقائد، يعتقدون أن ثمة من بقي يصفق لهم، معتقدين أن الناس معجبة بهلوساتهم وحماقاتهم وغبائهم الواضح.
في خاتمة القصة، التي ما نزال في سطورها الأولى، سينهار التاريخ والمثل العليا، وسيشتمون علي بن ابي طالب مجددا على المنابر، كما شتموه في أول التاريخ وسيرفع رأس الحسين؛ على رماح العلمانية والشيوعية والمدنية واليسار العراقي، وخلفهم "غمان" الشيعة، ليطاف به في مدن وسط وجنوب العراق، وسيهتفون مجددا "بس الشهر ماكو مهر موتوا يرجعية"..
ـــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha