المقالات

مهلة وطن

1851 2020-01-23

حمزة مصطفى

 

عبارة من مفردتين (مهلة, وطن) لكنها تختصر التاريخ والجغرافية معا. الجغرافية بوصفها المكان الذي ينشأ في ربوعه الوطن الذي هو شعب وأرض وسيادة وحكومة, والتاريخ هو مجموع إنجازات ومنجزات وآثار وتراث ومعالم وعوالم وشواخص هذا الوطن. بين التاريخ الموغل بالقدم في "وطن" مثل العراق وبين الـ "المهلة" التي يراد منحها لإعادة بناء هذا الوطن نقف الآن على مفترق طرق.

لماذا نقف على مفترق طرق؟ الجواب لأن الناس خرجت تتظاهر بعد أن وجدت أن الأداء السياسي للطبقة السياسية التي حكمت البلاد والعباد بعد عام 2003 لم يكن منصفا. هل هذه الإجابة كافية أو شافية للغليل؟ لا بالتأكيد. إذن لابد من البحث عن الأسباب الموضوعية لهذا الإنفجار الجماهيري الذي ترتبت  عليه حتى الآن تضحيات جسيمة لاتنسجم مع عنوان  الحراك وهو "التظاهر السلمي".

المشكلة تتعلق في كيفية بناء الدولة العراقية الحديثة بعد عام  1921 وفي إطار مفهوم المواطنة الذي يجعل الجميع يعيشون في وطن واحد له تاريخ معروف وجغرافية موصوفة. بدء من الملك فيصل الأول رحمه الله مرورا بكبار الكتاب والمؤرخين وعلماء الإجتماع ممن كتبوا عن  تاريخ العراق الحديث في عهوده الملكية والجمهورية من أمثال علي الوردي وحنا بطاطو وحسن العلوي وكمال مظهر أحمد وسواهم لم يتمكنوا من الإتفاق على مفهوم جامع  مانع للمواطنة العراقية.

لذلك جاءت كتاباتهم سواء في إطارها التشخيصي أم الوصفي أم التحليلي قائمة على أساس  محاولة جمع  المتناقضات بين ماهو سياسي وأجتماعي فضلا عن الخلافات والتناحرات والمشاكل والإشكاليات التي رافقت بناء تجربة الدولة العراقية طوال ثمانية عقود من الزمن. بعد عام 2003 حين إحتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق لم تكتف بإسقاط  النظام السابق للإتفاق مع قوى المعارضة العراقية التي يفترض إنها البديل الديمقراطي عن نظام حكم شمولي, بل أسقطت الدولة العراقية.

البديل الديمقراطي لم يكن بمستوى تحدي بناء دولة جديدة من الصفر. الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بدء من وصفة مجلس الحكم الفاشلة بإمتياز مرورا بالتجارب الديمقراطية التي تلت وقوامها الإنتخابات وتشكيل الحكومات وتداول السلطة إهتمت بالشكليات  الديمقراطية وتركت الجوهرالذي لم يكن ديمقراطيا وعلى كل الصعد. حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي الذي له أفرد له الدستور العديد من المواد الجيدة هو أبرز ما تفتخر به الطبقة السياسية وهذا صحيح. لكن حين خرجت التظاهرات الجماهيرية بدء من الأول من تشرين الأول الماضي وحتى اليوم لم تخرج لأنها تحب التظاهر المكفول دستوريا. بل خرجت بحثا عن وطن بدا لها مفقودا بدء من الخدمات الى البنى التحتية الى المشاركة السياسية الى السيادة  الى الإستقلال والإبتعاد عن  النفوذ الإقليمي والدولي.

الديمقراطية بحد ذاتها ليست إنجازا بل هي وصفة في الحكم قد تكون ناجحة أوفاشلة. الإنجاز الحقيقي هو كيفية تجسيد مفهوم المواطنة الذي يضمن حق الجميع في وطن واحد بصرف النظر  عن  أية خلفيات عرقية أو دينية أو مذهبية أو أيدولوجية أو سياسية. الباحثون عن وطن خرجوا من أجل ذلك, والمهلة التي منحوها للطبقة السياسية تندرج في سياق ماقدموه  من تضحيات تكفي لبناء أوطان لا وطن واحد.

ـــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك