طيب العراقي
إنّنا لا نهابُ الجنود الأميركان، ولا الحظر الاقتصادي، ولا تظنّوا أنّهم سوف ينجحون في القيام بعملٍ عسكريّ...لا تخافوا الحظرَ الإقتصاديّ أبدًا، أبواب العالَم لا تُغلق في وجوهنا، إنّ الله معنا، إن أُغلِقتْ أبواب الدُنيا بوجوهنا فأبواب رحمة الله مفتوحة لنا.
السيد روح الله الموسوي الخميني( قده)
تضيق صدور المؤمنين مما تمر به الأمة من محن، فالهجوم عليها وعلى وجودها وقيمها هو الأشرس، منذ أن تكونت هذه الأمة المرحومة، بأمر ألهي قبل خمسة عشر قرنا، على يد خاتم النبيين وسيد المرسلين "ص".
بالمقابل يكشف ضيق الصدور (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) 97ـ الحجر؛ عن عمق المستوى الإيماني الذي وصلته الأمة، وعن المدى الذي أحدثته الصحوة الإسلامية في وجدانها وفي واقعها، الأمر الذي أمتد تأثيره على باقي الأمم؛ بل البشرية جمعاء.
كثرة أعداء الأمة وتكالب الزمان عليها، ليس دليلا على خطأ المسار، بقدر ما هو دليل على صحته؛ (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ )ـ 78 الزخرف..فما هي عوامل صحة المسار وما هي مآلاته؟!
في قصة سيدنا موسى"ع"، ثمة إلتفاتة ربما تمنحنا القدرة على التوصل الى إجابات حاسمة في هذا الصدد؛ فقد كان عليه السلام يقود قوما يؤمنون بما جاء به من حقيقة، بعد أن أيده الباري عز وجل بالمعجزات، في وقت كان الطاغية فرعون يحاول إبتلاع الحقيقة بإنتحالها ومصادرتها، { فقال أنا ربكم الأعلى} و { ما علمت لكم من إله غيري}..
سيدنا موسى"ع" واجه طغيان فرعون، بناءا على أمر إلهي { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي: تمرد وعتا وتجهرم على الله وعصاه. وفعلا بذل النصح وأدى البلاغ الى الطاغية فرعون الذي أبى وتجبر، وبالغ بطغيان والتنكيل والتقتيل بالمؤمنين أتباع موسى"ع".
لكن "العصا" "سلاح المعجزة" الإلهية كان حاضرا وفعل فعلته!
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ﴾ -طه لكن فرعون الطاغية المتجبر تبعهم يريد إبادتهم وهنا حدثت المعجزة بـ"العصا" ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ -البقرة..ولم ينفع فرعون حينها توسله وإعترافه بذنبه فأغرق وهلك هو ومن معه..﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ -يونس..
مشهد هزيمة الطغاة على يد أولياء الصالحين، أو المصلحين المؤيدين المسددين، تكرر مرات كثيرة على مر التاريخ، ولم تحدثنا وقائع الأيام عن إنتصار الطغيان أبدا، فالغلبة دوما لم تكن يوما إلا للمستضعفين..وبالمناسبة فإن قوم موسى كانوا قوما مستضعفين جدا، من قبل فرعون الطاغية وجنوده، (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) 49 ـ البقرة..ولم يكن بيدهم إلا أن يسلموا أمرهم الى إله موسى ويتبعون نبيه، حتى لو إضطروا الى دخول البحر، تخلصا من طغيان فرعون (البلاء العظيم)..
في كل هذا كان موسى عليه السلام موقنا تمام اليقين، أن الهه العلي القدير معه، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي للنجاة, وقد وعدني ذلك, ولا خُلف لموعوده..!
قائد مسدد إلهيا هو سيدنا موسى"ع"، مؤيد بالمعجزات (العصا) التي شق بها البحر، على الرغم من أنها مجرد عصا ليس إلا، لكن (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) نعم هي عصاه "التخصصية" لمأرب نجاة "أمة" آمنت به وسلمت أمرها له، لأنها أدركت أنه سيقودها الى الخلاص ولو بدخول البحر!
تكرر المشهد مع رسول الله محمد"ص" عندما كان المسلمين مستضعفين قبالة جيش جرار لقريش، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة ـ 40..وتكرر المشهد في الخندق وبعدها في خيبر وغيرها من معارك المستضعفين مع الطغاة!
اليوم مشهد موسى"ع" وعصاه والذين اتبعوه، يتكرر أيضا بحذافيره مع إختلاف بالمسميات والأدوات..
ما زلنا في مشهد فرعون العصر، أمريكا أعتى قوة في تاريخ البشرية، والتي أعتقدت هي ومن معها(الصهيونية)، أنهم مالكي العالم بقبضتهم القوية، وباسلحتهم الفتاكة، وأن الرقاب ستدين لهم، بعدما تصوروا أنهم (رب العالم الأعلى) وأن كل الأرباب دونهم..
ما زلنا أيضا في مشهد الأمة المستضعفة المرحومة، وما زلنا في مشهد إنتصارها الذي{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا}، وما زلنا في مشهد مرجعنا قائد الأمة، المتكيء على أرث الحق والتسديد الألهي، والماسك بيده بالحقيقة، المتمثلة بجند الحق "عصا" العصر أبناء محور المقاومة والحشد الشعبي..
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ* إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} الطارق ـ 17
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha