د. حسين القاصد
ونحن في بداية عام ثقافي جديد ، لنا أن نتساءل عن منظمات المجتمع المدني التي انتشرت في العراق ، لكنها اختفت منذ اندلاع التظاهرات في الأول من تشرين الاول الماضي ؛ فأين هي وأين فعالياتها ودورها في صنع السلم المجتمعي ؟ وكم هو عددها السابق ؟ وكم سيكون بعد انتهاء اجازتها او عطلتها الاختيارية ؛ فمن دون أدنى شك أننا سنعود لنقرأ لافتات عن نشاطات ثقافية ومجتمعية غابت عن المشهد التوعوي في أيام التظاهرات .
لقد توقفت أغلب النشاطات الثقافية ، لاسيما تلك التي ترعاها وزارة الثقافة والسياحة والآثار ، فلقد تم تأجيل مهرجان الجواهري ومهرجان الكميت وغيرهما بسبب الأحداث التي رافقت التظاهرات ، واكتفى الفنانون والأدباء بالمشاركات الخارجية ، لكنهم حين يعودون للعراق لا يستأنفون مشوارهم الابداعي في نقاباتهم ؛ فلقد علق اتحاد الأدباء جلساته في بنايته واكتفى بجلسات تقام في خيمة الاتحاد المقامة في ساحة التحرير ؛ وإذا استثنينا التحدي الثقافي الكبير الذي يقوم به أدباء البصرة بمواصلة نشاطاتهم الثقافية ، نرى أغلب المثقفين تركوا مقراتهم لينصهروا في الرأي الجمعي وينسحبوا من صناعة القرار في منصاتهم الثقافية .
بكل ما لساحة التحرير من رمزية كبيرة ، نرى أن بناية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق هي توأم هذه الساحة في البناء والتأسيس ، فكلاهما شيد في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم ، وكان الجواهري الكبير رئيسا للإتحاد ونقيبا للصحفيين ، وهما أهم مؤسستين في صناعة القرار السياسي والمجتمعي .
إن عملية رفض الفساد ومحاربته يجب أن يقوم بتوجيهها قادة الوعي المجتمعي لكي نجنب التظاهرات السلمية احداث العنف التي رافقتها ؛ فللشاعر أن يهتف من منصته بأعلى اصوات الرفض للفساد والمحاصصة ، وله أن يتغنى بالعراق الواحد ، وتتلاقف صوته الفضائيات ليمكننا ايصال الخطاب الواعي المعترض على كل أشكال الخراب .
ومثل ما على اتحاد الأدباء نرى اننا بحاجة لخطاب مسرحي من المسرح الوطني ، لكي يصل من دون أية شائبة ونتجنب مسميات من مثل ( المندسين) و ( الطرف الثالث) وتعود قوة القيادة للكلمة والرسالة الفنية ، لا للاتهامات الجانبية التي ابتعدت ، في بعض منها ، عن غاية التظاهرات التي أهمها الإصلاح .
نحن بحاجة ماسة لأمسيات الفرقة السمفونية ، فللموسيقى لغة عالمية لاتحتاج إلى ترجمة ، ونحن بحاجة إلى معارض تشكيلية في قاعات تحترم الفن وتبعده عن عملية الرسم الارتجالي .
بامكان الجميع أن يشتركوا بفعاليات ثقافية واعية تتضمن الموسيقى والشعر والرسم ، وتحمل الخطاب الإصلاحي وتؤبن الشهداء .
في عامنا الثقافي الجديد نريد من المثقف العودة إلى صناعة القرار وليس الركض خلف قرارات بعضها انفعالي وغير ناضج ، لكنه صار مهيمنا لأنه صار أعلى من صوت المثقف الذي اختار دورا هامشيا ، يضمن له أرشفة حضوره اليومي في ساحة التحرير .
اذا ارتفع صوت المثقف قائدا وصانعا للقرار لا أظن أن أحداً سيفكر بمنع الطلبة من استئناف العام الدراسي الذي وصل إلى منتصفه ، ومازالت الحلول قيد المحاولات .
ــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha