المقالات

مرثية الصبر..مرثية الفجر..!


 طيب العراقي

 

الحق يحتاج حقيقة، والحقيقة تحتاج موقف، والموقف يحتاج رؤية ورجال، أربعة أشياء كانت مهيأة لتغزل خيوط الشمس، فتنسج منها مجدا يحاكي إرادة من خلقها، لتمكث في الأرض ويذهب سواها جفاء..حينها إنتفضت الرؤية والرجال ليتكامل المشروع.!

الحديث عن العظماء يستوجب استحضارهم، ويستوجب التأني، والتوقف، والتأمل بحضرتهم، لأن كل منهم محاط بهالة عملاقة من الورع، والزهد، والمجد، والتواضع، فهم يسعون للجنة بفردوسها، تاركين الحياة وملذاتها، يقودون سفرهم صوب مكان لا يناله إلا الصادقين الصديقين..

كانت ليلة ناطقة بالدم، وممزوجة بالألم والإنتصار..حدث فيها أن أجساداً ممزقة، دخلت قلوب الملايين من بوابة الفداء والعطاء، أجسادا متشوقة ليراق دمها، رجاء تجارة لن تبور..

سليماني والمهندس..هما العشقين العاشقين المعشوقين..قادة النصر وأمراؤه، رجلان علت جسديهما جماجم أرادت الحياة لغيرهما، لتكون منطلقا للهدف الكبيرـ هدف دولة العدل الإلهي، فكانا طاقة محركة للإصلاح، والخلاص، والتغيير والبناء..

أحرار معذبون غادروا الدنيا، لكنهما نجحا في صنع معالم أمة مقتدرة، رغم الآمهم ومعاناتهم، وأمسوا في زمن الخوف، وطناً تؤطره الأماني الصادقة، لنيل الحريات والحقوق، فتصبح الأحلام حقيقة وينتصر الحق، الذي يرونه بعيدا لكن شهيدينا رأوه قريبا، بل أمسكا به ووضعاه خاتما في يمينيهما..!

كانا مدركين أن الولادة الجديدة، سيتساقط معها الدم والدمع.. "ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى* فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ"..لم يعملا بطقوس ثورية في الظلام، أو وراء أبواب موصدة، أبرار عرّفوا الإسلام فأوصلوا صوته جهوريا جهارا؛ الى من أريد لهم؛ أن تصم آذانها عن سماع صوت الباريء الحق، فما أكثر بركة الشهادة، وما أشدها على أعداء الحق والحقيقة والحقوق، في الصراع الأزلي بين جبهتي الحق والباطل..

التاريخ يكتب بالحبر الأحمر؛ ليكون الربح أوفر، ولأن بحر الشهادة لا يركب أمواجه المتلاطمة إلا المجاهدين، الذين ينبتون من جذور شجرة الجهاد، فمن بطن حوت يونس يولد الإنتصار، ليعلن يوم شهادة سليماني والمهندس  أنه يوم عظيم، ولكن بألم عظيم!

سليماني وأبو مهدي المهندس، بشيبتيهما البيضاوتين المصبوغتين بملح تراب أرض الإسلام أينما كانت، مجاهدان قبل أن يكونا سياسيين، وفدائيان قبل أنْ يكونا مقاتلين تقليديين، آثرا غبار المعارك، على الكراسي والقصور، تركا ترفها لسياسيي المنافع، وقادة الهزائم..

الشهيدان القائدان كانا تجسيدا حيا؛ لمعنى أن يكون المرء حسينيا..ففي السنة الحادية والستين للهجرة، يأتي الحسين "ع" عليه كربلاء، وسليماني وأبو مهدي المهندس، جنديان في عسكره..يرمقهما ليلة العاشر من محرم؛ فيقول لهما: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم انما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري .

فيصبح الصبح وقد ذبحا الليل تهجدا وصلاةً...قالا ما قاله العباس بن علي"ع": لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا..نحن معك..مقتلنا مقتلك..يقتل الحسين"ع" فيصبح دمه قضية تنبت أمة؛ من الأتباع المؤمنين بالحرية وبمشروع دولة العدالة الإلهية..يقتل سليماني وأبو مهدي..ويتركا فينا قضية من سنخ القضية الحسينية، بل هي ذاتها بذات التفاصيل وبذات الهدف؛ دولة العدل الإلهي..

يرحلان فيتركا آلافا من المجاهدين الذين أعتنقوا قضية الحرية..أخطأ كثيرا من قتل سليماني وابو مهدي المهندس، خطأه أنه أتاح مجال الرؤية للملايين، ليروه على حقيقته؛ مجرم سفاح  عار على الإنسانية..

مضى أسبوع على إرتحالهما الفجائعي، وكنت ولم أزل أقف معلقا في الفراغ، حتى الدمع تحجر في عيني، نسيت المواقيت والأنواء؛ ولم أعد أميز ليلي من نهاري، هي صحوة قصيرة تيسرت لي أن أتفجع في هذه السطور..

أزعم أني كنت قريبا من كليها..ومن يعرفني ويعرفهما كان يلمس هذا القرب أو الإقتراب؛ بحكم الزمان والمكان والتوجيه والقيادة؛ كنت جسديا أكثر قربا الى أبي مهدي..لكني وبحكم تاريخي الجهادي كنت أكثر إقترابا الى سليماني..وهكذا وجدت نفسي قريبا من كليهما، بنفس المقدار من الإرتباط والمشاعر والطاعة والولاء، والإغتراف من النبع والينبوع..!

النبع سليماني، والينبوع أبو مهدي..لقد كانا صلاة ليل وتهجد فجر.بل هما الفجر الذي ننعاه.

أيحق لي وأنا الزاعم أني منهما جدولا صغيرا؛ أن أدعو العزيز الحكيم، أن يجعلني أول اللاحقين بهما؟!..تلك أمنيتي فعلى الزمان بعدهما العفا..

 

المكلوم بفقدها..المفجوع بغيبتهما..تراب أقدامهما ..جنديهما السائر على نهجهما:

               جمعة فرج إن شاء الله

10/1/2020

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك