المقالات

العمل السياسي وثقافة القطيع..!

2313 2019-12-09

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com

 

لدينا في موروثنا المعرفي؛ تركيز عال على قضية ثقافية جوهرية، ظاهرها الحث على التعاضد الأجتماعي، وبناء علاقات إنسانية؛ من خلال العمل الجماعي، وفي هذا الصدد؛ ثمة ما يُنسب الى رسولنا الأكرم، صلواته تعالى عليه وعلى آله وسلم، كـ"يد الله مع الجماعة، ومن شذ الى النار"، وفي الأمثال " الموت مع الجماعة رحمة" و" حط راسك بين الرؤوس وقول يا قطاع الروس" وغيرها من الأمثال العربية، التي فرضت على الفكر العربي؛ حتمية أن يلتزم الإنسان بتصرفات الجماعة، ويقلدها دون أي اعتراض، ووصف كل من يعترض على هذه الفكرة، بأنه "يغرد خارج السرب".

هذا السلوك الذي يلغي التفكير الفردي، ويصادر القناعات الشخصية، ويحاصر الحريات وينهي الرقي الإجتماعي، ويدعو الى مسايرة القطيع؛ يتبدى أوضح ما يكون؛ في المجتمعات "الجماعية" كمجتمعاتنا العربية، فنحن مرتبطون بالجماعة بكل وثيق، الى حد أننا نقبل بإلغاء ذواتنا، لأننا نتأثر بمن حولنا ونتأثر بآراء الأخرين، وإذا وجدنا المجتمع يرضى عن أمر ما، فإننا نستحسنه ونحوله الى مقدس.

السلوك مقدس، الأفراد مقدسون، القادة السياسيون مقدسون، الحكومة مقدسة، الدولة مقدسة، الجيش مقدس، الشرطي مقدس، الموظف الحكومي مقدس، الجامعة مقدسة، شجرة السدر مقدسة، الديك مقدس، كل شيء حولنا بات مقدسا، إلا المقدس الحقيقي الذي وحده يستحق القداسة، فقد تناسيناه عمدا لأننا نعتقد أنه بعيد، بعيد جدا في السماء المترامية، مع أنه جل في علاه يقول لنا" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"!

صرنا محكومين بهذه القناعات؛ التي تجعلنا نقبل الموت أو النهايات التعيسة، لمجرد أننا جزء من المنظومة التي منحناها قداسة وهمية، وغالبا لا يفكر أي منا في مراجعة موقفه، والتثبت من مكانه في هذا القطيع!

لقد أستفاد الإرهاب؛ من هذه الخصلة السيئة في مجتمعنا، وتفشى بإستشراء وشراهة، الى حد أن مجتمعات كاملة في وطننا، يمكن أن نصفها بإنها مجتمعات "حاظنة" للإرهاب، إذا تعاطت تلك المجتمعات مع الإرهاب، على أنه ممثلها الشرعي المقدس، بمواجهة "الآخر" الذي هو باقي الشعب!

بالمقابل وفي ضفة العمل السياسي، نجد ثقافة القطيع أكثر تفشيا ووضوحا، وتتبدى في سلوك المنتمين، الى الجماعات السياسية بمختلف مسمياتها، وتتمظهر على أشدها مع الجماعات السياسية، التي يتزعمها رجل دين، فهو معصوم لا يخطيء أبدا، وإذا أخطأ فإن خطأه يجب أن يؤول إيجابيا، وإّذا تصرف تصرفا غريبا مستهجنا، فإنما تصرفه لمصلحة لا يعرفها مريديه، ولكن عليهم أن يعتقدوا أنها مصلحة شرعية مقدسة!

كلام قبل السلام: القرآن الكريم؛ تحدث عن سلوك القطيع مرارا وتكرارا، في قوله تعالى (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، (وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ) (وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ) (وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ) (وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ) (وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ) (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)..!

سلام..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك