محمد كاظم خضير
أعتقد أن المشروع أخطر مما نحن نتصور وأخطر مما لدينا من معلومات ، ومقاربته أبعد من منهجيات التحليل وسبر الأغوار التقليدية .
ما يحصل ليس عفوياً إنما هو منظم تنظيماً ناعماً ، وأسلوبه أسلوب الحرب الناعمة وأسلحة حرب اللاعنف ، وهذه الثورات ( الملونة ) لا تقاد بقيادات علنية واضحة ، إنما تقاد بشخصيات مغمورة خفية مرتبطة بغرف الادارة الفعلية ، وتحمل الشعارات والأساليب المقبولة والمطلوبة والواقعية بالتوقيت المناسب ، وتوجه التظاهرات بذكاء وتقوم بعملية تقييم دقيقة للمسار العام وتصحح مسارات التظاهرات وشعاراتها ، وتتخذ إجراءات لتحقيق الأهداف والاستمرار بالسياسات المرسومة .
أليس ما يحصل الان من صراع ومواجهة خفية بين إدارة تظاهرات الخفي وإدارة التعامل معه والسيناريوهات المتقابلة ، والأدوات والإمكانيات التي توفرت ، وجغرافيا الاحتجاج ، الا ينبئ عن أياد خفية وعقول ذات خبرات لا تشبه صدق وإيمان الحركة العفوية .
نظرية السلوك المخطط تجيب على كل الأسئلة ، حتى الفرد العادي لا يتشكل سلوكه وحراكه من تلقاء ذاته ، بل من خلال وسائل الاعلام والتحكم بالدوافع الاقتصادية والاحتياجات ، وهذا ما ظهر تأثيره في إيران وتركيا وروسيا وفنزويلا.
لماذا تفرض واشنطن العقوبات ، اليس لتحريك الاحتجاجات والدفع بالناس " الأبرياء " للنزول إلى الشوارع ، ومن ثم الاستثمار السياسي في ذلك لإعادة فرض جدول أعمال سياسي جديد .
اليس هذا خلاصة ما يحدث في العراق حيث الناس ابرياء والدوافع سلوك مخطط مبني على واقع مرير .
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اكتشف الروس ان التلاعب بالمواد الغذائية والأسعار هدفه إثارة السخط والصخب الاقتصادي للدفع نحو اسقاط النظام ، وتبين أن خلف ذلك شركات غربية تسللت إلى المصادر الاقتصادية للبلاد. .
ما يحصل الان في العراق كان مخططا جاهزًا وتم تنفيذه بغطاء المطالب الشعبية وهذا ما حضرت له وسيلة اعلامية برفع الانتباه على مدى سنوات من التركيز على السلبيات ثم قيادة التظاهرات عبر مراسليها في دور يشبه دور الجزيرة في الحرب على سوريا ،
وعن عمد تم التعمية على قيادة التظاهرات كي لا تسيس الا بالاتجاه الذي يريدونه ، مع العلم ان إدارة الجمهور ليست تحت سيطرتهم بصورة كاملة ولَم تكن رغبتهم كشف أوراقهم بهذه السرعة ، لذا يتم تصحيح المسارات بسرعة للظواهر المسيئة لبرنامجهم الاستثماري للتظاهرات ، والذي يعتبر عفوياً بحالة من هذا النوع .
اما الأهداف التي يسعون اليها خاصة مع عدم قبولهم بالورقة الإصلاحية ، وطرحهم تهديم الهيكل كاملاً ، كشف عن الوجهة التي يريدونها وهي اسقاط عادل عبد المهدي وحاميه اي تحالف الفتح، وتحميله كافة المسؤوليات التاريخية والآنية عن الأوضاع في العراق ما يعني ضرب قاعدته الشعبية وتصالحه مع البيئة العراقية المجتمعية ، ولاحقاً إسقاطه من رمزيته ومكانته ،
وأظن ان اميركا خدعت الرئيس الوزراء عادل عبد المهدي وطلبت منه عدم الاستقالة لكنها مخابراتياً تعمل عكس ذلك ، حتى يتم الاستثمار بالجمهور بتمسك المتظاهرين بإلاصلاحات وطرح مطالب طوباوية لا تتحق لا بإسقاط حكومة ولا بغيرها، وبتصلب مواقف من هُم في السلطة والتيارات والأحزاب المشكلة للحكومة سيقع ما يتمنونه من تعطيل للحكم ومن خلفه العهد، وإحداث الانقسام والشرخ الاجتماعي والسياسي والتشرذم بالساحة الشيعية الشيعية أولاً، مع السعي والعمل على تحييد الجيش ليلعب دورًا انتقالياً لاحقاً ، والغائياً للطبقة السياسية الحالية ، وكل ذلك لتقويض الوضع كاملاً بوجه الحكم وتصفية الحسابات معه ، وهذه المرة من زاوية المطالب الاجتماعية المحقة ، وعندما تهدأ الاحتجاجات سنكتشف جميعا نتائج السلوك المخطط من خلال الاستثمار السياسي والاقتصادي.
أعتقد أننا امام مؤامرة كبرى والدليل كل الاداء الذي رأيناه، والمطلوب رأس الاستقرار في العراق والتغطية على الفشل الاميركي بالمنطقة وعدم استثمار الانتصارات القادمة وخاصة في اليمن .
المنهجية في معالجة الأزمة تحتاج لمقاربة جديدة ، مع التأكيد ان سياسة النفس الطويل والاستيعاب البطيئ للتحرك المطلبي وقيادته بالخفاء نحو الحوار وتقديم التنازلات المتبادلة ، أمر ضروري لتفويت الفرصة ، ومن الضروري تشكيل قناعة مشتركة بخلفية ما يحدث لدى المؤسسات السياسية والشخصيات والأحزاب ، ليبنى على الشيئ مقتضاه ، وأعان الله هؤلاء الصادقين والمتألمين والصابرين في ساحات الاحتجاج لأنهم مؤمنون بالعراق ويدفعون ثمن انتمائهم من فقرهم وجوعهم ويأسهم وحبهم ، ولكن ربما أيضاً قيض لهم من يستغلهم لتصفية الحسابات ومن اصعب الامور إقناعهم بالا يكونوا وقوداً في نيران الأعداء ، وكذلك من هم في السلطة الذين لا سبيل لصلاحهم الا بمعجزة من الله .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha