طيب العراقي
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تأتيكم بعدي أربع فتن :
_ الأولى يستحل فيها الدماء ؛
_والثانية يستحل فيها الدماء والأموال؛
_ والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج ؛
_ والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ!تطيف بالشام وتغشى العراق وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها وتعرك الأمة فيها بالبلاء عرك الأديم ، ثم لا يستطيع أحد من الناس يقول فيها مه مه! ثم لا يرتقونها من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى... يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ولا ينجو منها إلا من دعا كدعاء الغرق في البحر، تدوم إثني عشر عاماً تنجلي حين تنجلي وقد انحسرت الفرات عن جبل من ذهب فيقتلون عليها حتى تقتل من كل تسعة سبعة .
ثمة بيت شعر للشاعر العراقي معروف الرصافي يقول فيه:
لا يخدعنك هتاف القوم في الوطن فالقوم في السر غير القوم في العلن
ما يجري في العراق هذه ألأيام من أحداث، يقف إزائها العقل الإعتيادي المنشغل بإهتماماته اليومية عاجزا عن التفسير والفهم بل وحتى الإدراك الأولي، ليس لأنها ليست واضحة المقاصد والأهداف، فهذا عنوانها الذي لا يعيه أغلب المنخرطين فيها، بل لأن المنخرطين ذاتهم يعرفون أن هذه الأهداف أكبر منهم، ومع ذلك تراهم قد أنخرطوا فيها ،
بصرف النظر عن من حرك حركة الإحتجاجات، ومن يقودها ويمولها، وبصرف النظر أيضا عن نظرية المؤلمرة التي لم يكم بالإمكان تنفيذها بمهارة، دون أن تكون هناك أرضية صالحة وأسبابا منطقية، تجعل الحديث عن المؤامرة إهانة للشعب والعقل، فإن العراق يمر الآن بأحلك ظرف مر فيه منذ قرن تقريبا.
التظاهرات التي تجوب شوارع مدننا وتكتسح ساحاتها، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها احتجاج من نمط جديد، يكشف عن عمق الهوة والتناقض الحاد، بين سقوف التظاهرات وبين رؤية الطبقة السياسية، التي كانت تعتقد أنها توسدت ريش السلطة الى الأبد، وأنها معبدة فيها الى يوم يبعثون.
مع تسليم الطبقة السياسية مرغمة بضرورة الإصلاح، إلا أنها تطرح مفهوما للإصلاح مختلف تماما عن ما يراه المحتجين، فهي تعتقد أن الإصلاحات تعني الخدمات، من سكن وفرص عمل وضمان وغيرها، فيما التظاهرات تتحدث عن ضرورة تغيير بنية النظام، ثم الشروع بالإصلاحات.
التظاهرات تطالب بتعديل الدستور، وتغيير قانون الانتخابات، أو الانتقال من البرلماني إلى الرئاسي، وسبب في ذلك أزمة الثقة الطاحنة، بين الطبقة السياسية والمجتمع، فيما لم تفكر الطبقة السياسية بذلك، على الرغم من تنبيه المرجعية الدينية الى ذلك منذ عام 2012 ولغاية اليوم، والسبب في عدم إلتفات القوى السياسية الى التحذيرات هو عماها السياسي وفقدانها البصيرة.
حديث الإمام الخامنائي الأخير أكتنف على ألفات بصيرة المعنيين الى أن "للنّاس مطالب وهي محقّة، لكن عليهم أن يعلموا أنّ مطالبهم إنّما تتحقّق حصرا ضمن الأطر والهيكليّات القانونيّة لبلدهم، ومتى ما انهارت الهيكليّة القانونيّة يستحيل القيام بأيّ عمل".
الحقيقة اننا نحتاج إلى فصل بين حركة الإحتجاجات ومنظورها للإصلاح، وبين رؤية الطبقة السياسية، انطلاقا من ذلك نبدأ بإجراءات لتعزيز الثقة وردم الفجوة بين الشارع والسلطة عبر إجراءات عملية:
ان تنزل المرجعية الدينية الى الميدان، وتقدم رؤية واضحة لما يجب أن تقوم به الدولة، وما يتعين على المحتجين سلوكه.
ثانيا: تهدئة الشارع، وحث وسائل الإعلام على التهدئة وعدم تضخيم الأمور بحجة حرية الرأى والتعبير التي هي محترمة بالتأكيد لكن طريقة وأسلوب النقل ينبغي أن تكون مسؤولة أكثر وبدون إثارة لأن وسائل الإعلام ومواقع التواصل هي التي تقود الشارع الآن.
ثالثا :دعوة كل من يتبنى مطالب المتظاهرين، خصوصا السياسيين والناشطين والإعلاميين، بوصفها حقوقا مشروعة غير قابلة للتصرف، مع نزوعهم الدائم إدانة الحكومة والطبقة السياسية بشكل كامل، أن يلتزموا الهدوء لفترة من أجل المصلحة العامة، وفي مقدمتها مصلحة المتظاهرين، لأن الاستمرار بهذا التصعيد دون ظهور قيادة واضحة للتظاهرات، يعني أما الذهاب إلى الفوضى بالكامل، أو نهاية التظاهرات بطريقة أو أخرى أو ركوب موجتها وخطفها وهو ما يعني خسارة للجميع.
https://telegram.me/buratha