المقالات

يامتظاهرين : طرد السفارة الأمريكية أمرٌ ضروري  


محمد كاظم خضير

 

"تدُسّ" واشنطن رأسها في كلّ شيءٍ تقريبًا. البارحة مثلاً، وزَّعت أوامِرَ عمليّاتٍ إلى قناة "الحرّة" بوجوب متابعة الاحتجاجات في العراق عن كثبٍ. سُرعان ما ظهرَت الترجمة من خلال تفريغِ هذه الاخيرة مساحات عريضة لتناول الملف العراقي .

أكثرُ من ذلك، أبدت واشنطن، استعدادها لتوفيرِ خطوط "كارت بلانش" سياسيّة لصالحِ القناةِ، نتحدَّث هنا عن خطوطٍ سياسيّة أميركيّة الطابع على شكلِ التصريح الرسمي الذي أدلى به قبل أيام أحد مسؤولي وزارة الخارجية.

مثلهم، فعلت وتفعل قنوات عربيّة أخرى، لاقت الاحتجاجات وفق مزاجها. مثلاً، "الجزيرة"، تتعمَّد الاشارة دومًا إلى أنّ الشعب الثائر في ساحات العراق ينتفِض على حكومةٍ يتمتَّع الفتح وتحالف سائرون بأكثريّة مطلقة. عجبًا! لماذا تشير عمدًا إلى هذه الفكرة بالذات في وقت تغيِّب اسباب نزول الناس إلى الشارعِ؟ ولماذا تُصِرّ بعض القنوات على تحويلِ "الخروج" عمدًا إلى سياقٍ سياسيٍّ صرفٍ لا إقتصاديٍّ محضٍ؟ إنه الإستغلال بعينه!

لا عجب في ذلك، طالما أنّ العراق ما زال يقبع على صفيح النزال السياسي الساخن ذاته، وبالتالي يصبح منطقيًّا تحوير الحقائق وتحويلها إلى أدواتٍ سياسيّةٍ، بالضبط كما يفعل الاميركيّون الآن، وهم يحاولون "ركوب الموجة" وتأمين موقعٍ لهم.

وأصلاً، مثل هكذا تحرّكات شعبيّة تجدها واشنطن بمثابة بيئة صالحة للاستثمار وتسويق الأفكار، وإنطلاقًا من طبيعة الذهنيّة الاميركيّة القائمة على منطقِ الاستغلال والاستفادة، لا يصبح الأمر مستغربًا أبدًا ان تحشر رأسها في قضية العراقية صرف على شكل "انتفاضة" وتحاول صبغ أناملها فيها.

وهناك أكثرُ من تجربةٍ على هذا الصعيد، في مصر مثلاً وبشهادة المصريين، حرف الأميركيّون الثورة وحوّلوها الى مؤسسةِ استثمارٍ سياسيٍّ أميركيٍّ صرفٍ، وكذلك أوكرانيا وبلدان أميركا اللاتينيّة، التي ما كانت التظاهرات تقوم إلّا وتحشر واشنطن أنفها فيها، فإمّا تفرطها من بكرة أبيها أو تخترقها وتجعلها مركزًا صالحًا بغية جني الأرباح السياسيّة.

ثمّة أكثر من علامةٍ تُشير إلى ظهورِ وضعيّات أميركيّة مُشابِهة ومُستَغرَبة في العراق . على الصعيد الدبلوماسي، تُكافِح السفارة في العراق من أجل العمل على أكثرِ من مستوى:

سياسيًّا، من خلال التواصل مع سياسيين من قائمة الاصدقاء واستطلاع مواقفهم واستقاء المعلومات منهم حول ما يجري بدقة. وبينهما، تفتح واشنطن "دكانة" النصح إلى ساسة كبار، كرئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي وتحثه على عدمِ تركِ موقعه والاستقالة.

على صعيدٍ آخر، تضخّ عبارات الدّعمِ لصالحِ حلفاءٍ سياسيين من أحزابِ "جرِّب تحزن" وتشدّ على أيديهم لدخولِ التظاهرات

لوجستيًّا، من خلال محاولات ركب موجة الإنتفاضة، أي إستغلال التظاهرات في مراحله المُقبِلة بعدما بدأ بشكلٍ عفويٍّ، من خلال مستوياتٍ عدّة:

توجيهيًّا، من خلال وسائل إعلام محدَّدة تنكبّ على محاولة حقنِ المُتَظاهرين بمواقفٍ معدّة سلفًا، بالاضافة طبعًا إلى الاستفادة من قدراتِ بعض الناشطين. وكذلك، سياسيًّا، من خلال تأمين إنتقالٍ هادئ لبعضِ الوجوهِ من ضفّةٍ إلى أخرى.

إذًا، الهدف الأميركي "السّهل" هو محاولة إختراق التظاهرات وحرفه عن أصوله وإدخال تغييراتٍ سياسيّةٍ دراماتيكيّة عليه، أحد أشكالها اليوم يظهر في نقلِ الخطاب من مطلبي حقوقي الى سياسي.

هذا الأمر ليس مستغربًا، بل ما هو مستغربٌ عدم لجوءِ الأميركيين إلى الاستثمار في الثورات، ومنطق الاستثمار هذا يقع في صلب النظرة الأميركيّة.

المجموعات المُنتَفِضَة باتت في واردِ إدراكِ هذه المشاريع، لهذا بدأت منذ الآن عمليّات التدعيم والتحصين والتوعية. من هذه النماذج مثلاً، اشتراط قبول الدعم أو المساعدات من خلال جهاتٍ ذات هويّات صريحةٍ وواضحةٍ وغير ملطخةٍ، لا بمؤسّساتٍ إجتماعيّةٍ مدعومة أميركيًّا، ولا من خلال أشخاصٍ "مشبوهين".

وثمّة من بدأ يشير إلى محاولاتٍ من هذا النوع من بينها محاولة لإغواءِ بعض المجموعات. لكن يبدو أنّ مناعة "التظاهرات " متينة إلى حدٍ كبير.

في المقابل، هناك تكاسلٌ مرفوضٌ تتّضِح معالمه كلَّما توسَّع حجم الحراك، إن على صعيد الخطاب السياسيّ "الثوريّ" أو في شأن الخطط، بل ثمّة ضياع في الخطاب السياسيّ المُتَقَلِّب بين طرفٍ وآخر، وهذا عاملٌ سلبيٌّ في تظاهرات من هذا النوع قد يضعه على سلّم الفوضى وقلة التنظيم، وعند رسوخه في الأرضِ يصبح من الصعبِ تصحيحِ المسار.

وبالتالي، من الضروري التفكير الآن ببناءِ لجانِ تنسيقٍ تنظيميّةٍ، أوَّلاً من أجل منعِ حرفِ تظاهرات عن غاياته، وثانيًا، تنقيته من الشوائبِ، وثالثًا، تدعيمه وتمتينه وزيادة مناعته في سبيل نزع محاولات إختراقه إن وجدت، وفي شكلٍ أساس، القيام باللازم قطعًا للطريق على تسلّل السفارات الساعية إلى الاستثمار، وهذا فعل أمر واقعي سيختبره الحراك أكثر في الأيام المقبلة.

والتهديد الأكبر الزاحف نحو تظاهرات فضلاً عن المصالحِ الشخصيّة والأنانيّات، مصادر السلطة، التي لا يبدو أنّها تتصرَّف معه على أساسِ أنّه "عضو شارد" أو أنّه "مرض في الجسدِ" يجب استئصاله. وعلى هذا الاساس، فإنّ تقديرات المواجهة مرتفعة النسب كلما زاد الحراك من عمره وإرتفعت قدرته، فلا يجب النوم على حريرٍ أمام سلطة خاضت عام 2003‪ تجراب وأدِ التظاهرات ونجحت.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك