عبد الحسين الظالمي
الحياة ايام وليال تمضي لتصل في يوم من الايام الى المحطة الاخيرة ، البعض يعيشها بكل تفاصيلها الحلوة والمرة يعيشها الفقير ويعيشها الغني وكلاهما يصل فيها الى نقطة الارجعة مهما كان الفرق بينهم ، هناك من يكدح وهناك من عيش برخاء، ويخطا من يتصور ان احدا لا توجد عنده هموم ومشاكل لان طبيعة الحياة هي الحياة الدنيا اراد الله لها ان تكون دنيا (من الدنو) مقابل حياة البقاء وحياة العلى وهي حياة الاخرة .
الكل بدون استثناء يمضي ولكن كيف يمضي وما سيترك؟ البعض يترك اثرا تعيش به اجيال خلفة وتحيى به امم والبعض على العكس، والبعض يذهب كما يذهب الماء من الكف.
قد ينظم هذه الحياة قانون او عرف او شريعة او مصالح مشتركة ولكن يبقى القاسم المشترك بين كل ذلك هو ضمير الانسان ووجدانه ومعرفته بدوره بالحياة وما هو مطلوب منه وان يطمئن يقيننا انه سوف ينزل من هذه السفينة الى الساحل فأما ساحل ملتهب بنار وعذاب وإما ينزل الى ساحل السكينة والأهل والأحباب وأهل الخير وأصحاب الضمائر الحية الذين عملوا للآخرة كأنهم يرون هذه الساعات واللحظات اتية لا ريب فيها ويستشعرون نفحاتها وكيف تلامس اقدامهم رمال ذلك الساحل في اول لحظات الوصول.
غياب هذا الشعور يجعل الانسان يغمض عينيه عن الرقيب الحقيقي في هذا الكون ويتصرف وكان الدنيا نهاية المطاف لذلك يسرق ويظلم ويقهر ويتجاوزه ويتصرف وكان الدنيا ملكه وحده والآخرين مجرد مخلوقات جانبية لذلك لا يشعر بالمسؤولية التضامنية بينه وبينهم كركاب سفينة واحدة اذا اصابها ضرر اصاب الكل الهلاك فلا تنفع الاموال والجاه والعضلات .
عندما فقدنا الشعور بالمسؤولية الجماعية والإحساس بوحدة الكل من اجل الكل فقدنا وطن باجمعه وأصبح احدنا لا يبالي بما يصيب الاخر وأصبحنا نتحسر على ايام الطيب وحياة اهلنا البسطاء لذلك شاعة السرقة لان الاحساس بان الوطن سفينة على ظهرها الكل وحتى لو غادرتها ونجحت في المغادرة فاعلم انك سوف تعيش في بحر على ظهر لوح تتقاذفك الامواج وتصبح تتمنى لحظات العيش التي عشتها مع الاخرين على ظهر تلك السفينة الرحبة رغم معانات السفر فيها.
فقدان الضمير والوجدان والاحساس بالمسؤولية من البعض جعل هذا البعض يستصغر اثار بعض الاعمال التي يقوم بها اتجاه الاخرين فلا يهمه ان يرى امرأة عجوز في طابور طويل عريض هو مسؤول عن انجاز مطالبهم ولا يهمه ان دفع موعد قضية مواطن الى شهر وقد يعلم او لا يعلم ان هذا المواطن ربما لا يمتلك اجرة العودة مرة اخرى لا نجاز معاملته، وربما لا يشعر بابن يرى والده ممدد امامه على نقالة المرضى وعيناه ترقب تصرفك كطبيب او كادر صحي وهكذا في اغلب محاور الحياة.
وحتى المراجع عندما لا يشعر ان الموظف دم ولحم ومشاعر وامكانية عقلية محددة وضوابط عمل وضغط ربما لا يقدر ما يجري لذلك نفقد حلقة الترابط في قضية غاية في الاهمية وهي كيف يساعد احدهم الاخر للتضافر جهود الطرفين لانجاز المطلوب، موظف ينجز عملة ومراجع تقضى حاجته بتقدير واحترام وكرامة بدون ان يضطر لتقديم ما هو محرم شرعا وخلاقا وقانونا.
شياع مرض اللا مبالاة وعدم الاحساس بالأخر قتل الروح الانسانية التي نتغنى بها عند الاخرين ، قتل روح المبادرة والابتكار من اجل مساعدة الاخرين واخذ البعض يختلق الروتين والرتابة من اجل دفع الاخر، وكأنه اغمض عينية وسد ابواب عقلة وقلبه عن القول المأثور من قضى للاخيه حاجة قضى الله له حاجته) .
ما يدمر الاوضاع الان في العراق ويعقد حياة الكل ويؤخر حياتهم هو فقدان هذا الشعور لذلك شاعة البيروقراطية والرتابة والروتين.
وكان القانون رجل يملك هراوة يحملها ضد من يراه متخلفا عن انجاز عمل او سرقة شىء هو ملك الجميع وليس احساس بواجب نراه في دواخلنا كعمل نأجر عليه في الدنيا راتب حلال وسمعة طيبة وفي الاخرة اجر وثواب ربما يغفل رقيب الارض ولكن هيهات ان يغفل رقيب السماء.
قيل مثلا عند القدماء (حرامي البيت صعب العثور علية) .
عندما لا يشعر الانسان بان البيت بيتة والملك ملكة وأصحاب الدار اهلة وعشيرته وسمعته وعرضة يسرق ويدمر حياة من فيه وهذا ما يحدث فعلا في دوائرنا وفي مدننا وفي كل مفاصل حياتنا، لذلك نرى الروتين والفساد توأمان يحصدان راحة واستقرار الكل، والكل يتهم الكل ويتجادلان الفساد اصل الروتين ام الروتين وسوء الادارة اصل الفساد، والمنطق يقول كلاهما واحد وهما وجهان لعملة ورقية فلا وجود لها كورقة نقدية بدون وجود وجهيها.
الغريب في اوضاعنا الكل يلعن ذلك السلوك وتلك التصرفات ولكن الاعم الاغلب مبتلى ببعض منها ولكنه يتشاطر في ايجاد المبررات والأعذار ويتشبث بخيوط القانون في سبيل عرقلة ما وجد القانون وجبلت الاخلاق لحله .
مشكلتنا نريد حل لمشكلة نحن جميعا صناعها وموجديها، الكل تريد النظافة ولكن فقط في بيوتنا اما في الشارع فشىء اخر الكل يرفض الواسطة ولكن في الواقع الكل يريدها الكل يرفض تصرفات المسؤول في تقريب البطانة ولكنه يسعى لذلك .
شاهدت موظف مراجع في دائرة اخرى لقضية تخصه وكان منزعج من الازدحام ولكن الغريب في دائرته المراجعين يضجون من الازدحام امام نافذة عمله.
نخلق المشكلة ونتشاطر في تعقيدها ونلوم الاخرين على عدم وجود الحل.
بلد يحتاج كل دينار وكل دقيقة عمل حتى يعوض ما فات من هدر ومواطني لا يحترمون الدينار والدقيقة وربما حتى اليوم والشهر كيف يتطور واحدنا اذا وعدك على موعد فعلم انه سوف يأتيك بعد ساعة وربما اكثر اذا ما قال لك والله نسيت واذا كتب لك دعوى لحفل او تجمع محدد فيها الوقت فعلم انه يبدأ بعد ساعة وإذا قالوا لك اقلاع الطائرة بالعشرة فأضف ساعة وربما اكثر ولكن اياك ان تأتي متأخر فذلك حرام وممنوع عليك التأخير كراكب فالحضور للمطار ولكن حلال عليهم تا خيرك ساعة، فلا غريب ان تموت طفلة لان العقول تشبثت بالروتين في اسلوب نقلها في الصالة والطائرة ولم تجد وسيلة لطفلة مريضه كيف تنقذ حياتها وتجعل انقاذها فوق التعليمات والتوصيات وربما حتى فوق القانون وفق بمبدأ السماء (من احيى نفسا كا نما احيى الناس جميعا ) عندما غاب هذا الاحساس غاب الابتكار لا يجاد حل لنقل الطفلة وإنقاذ حياتها او ربما محاولة في ذلك .
بلد يحتاج ابنائه وأبنائه منشغلين بجلد احدهم الاخر وتحميلة المسؤولية ولا يكلف احدهم ان يسال نفسه اين مسؤوليتي انا في حل ذلك ؟ .
المسؤول الاعلى يتكلم عن الفساد والرعية تصرخ من الفساد المدير يهدد ويتوعد الفاسدين ودائرته طوابير المراجعين فيها تفترش الارض .
البعض واقول البعض حتى لا اتهم بمثل ما اتهم به علي الوردي ( يقول عجبت من تصرف بعض العراقيون ترسله لجلب الصمون من الفرن يا كل اطراف الصمونات (( گعم الصمونة )) وعندما يأكل الفة سندويج يرمي (( الگعم ) . لذلك البعض يضج الفيس والشعراء والخطباء بمقالاتهم وخطبهم ضد الفساد والروتين وبعض منهم غريق الى قمة راسه بهذه الامراض .
البناء والنظام والتطور والرقي يحتاج الى رقي في النفوس واحساس بالمسؤولية ووجود ضمير حي
ومراقب شريف يذكر قبل ان يعاقب ويحفز قبل ان يوهن وثقافة عامة تتحول الى سلوك وليس لوك كلام ومقالات فارغة عندها يمكن لنا ان نقول ان الفساد اصبح يلفض انفاسه . ولا تقول من يوجد هذا الشعور والاحساس بالمسؤولية الموطن ام الدولة ؟ ونعود الى فكرة البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة فالكل مسؤول وليبدء الكل من نفسةهوسوف يرى النتيجة بعينه . ميدانكم انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر .
https://telegram.me/buratha