محمد كاظم خضير كاتب وباحث سياسي
كانت إقالة بولتن الأولى من إدارة بوش الابن بعد صدور تقرير لجنة بيكر - هاملتون المؤلفة من الحزبين في أميركا الجمهوري والديموقراطي لتقييم أكلاف احتلال العراق ونتائجه على أميركا عسكريا وسياسيا واقتصاديا، والتي تشكلت في آذار ٢٠٠٦ قبل حرب تموز، والإعلان عن قيام الشرق الأوسط الكبير، وخيّبت حرب أولمرت الإسرائيلية امل بولتن الذي انتهى مع صدور تقرير بيكر - هاملتون في كانون الأول ٢٠٠٦. ومع تظهير السياسة الخارجية الهجومية للرئيس ترامب عاد بولتن الى الامن القومي وراهن على نتنياهو الذي خذله بالهروب إلى الإنتخابات المبكرة، واظهر تباينا اسرائيليا مع استراتيجيات اميركا في الحرب والسلام، ومع عودة ترامب قبل انتخاباته إلى الاوبامية السياسية، والتي كانت تجسيدا لمصلحة أميركا العليا على أساس بيكر - هاملتون، فكانت النتيجة إقالة بولتن الثانية.
جاءت اجتماعات قمة الدول الصناعية السبع في فرنسا الشهر الماضي لتشكل منعطفا دوليا حيث اظهر خلالها الرئيس ماكرون مهارة دبلوماسية عالية لجهة دعوة مصر ودول أفريقية، ثم الدعوة المفاجئة لوزير خارجية إيران جواد ظريف بالإتفاق مع الرئيس ترامب تحضيرا للقاء الرئيس الإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة نهاية أيلول بوساطة فرنسية، وتزامنت إقاله بولتن مع نكسة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بعد تصويت مجلسي العموم واللوردات على قانون يمنع الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق وبتوافق غير مسبوق بين حزب العمال ونواب من حزب المحافظين بما يشبه بيكر - هاملتون بريطاني.
جاءت إقالة بولتن قبل الانتخابات الإسرائيلية يوم الثلاثاء القادم في ١٧ أيلول والتي وضعت نتنياهو أمام مصير مجهول سياسيا وقضائيا، بعد أن استثمر طويلا في تورط أميركا في المواجهات بدلا عنه واستمتع بالتفرج على حرائق النزاعات المدمرة في المنطقة، واكتفى بأخذ الجوائز من نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشريف إلى الاعتراف الأميركي بضم الجولان السوري المحتل مع التمادي بالسياسة الاستيطانية إلى الإعلان عن نيته ضم شمال البحر الميت وغور الأردن إلى إسرائيل، وكانت صدمته كبيرة بتزامن إقالة بولتن عشية الانتخابات الإسرائيلية ومع الإعلان الفرنسي عن موضوعات الحوار بين روحاني وترامب وهي انخراط ايران في عملية السلام في الشرق الأوسط، ثم امن الملاحة في مياه الخليج إلى النووي الإيراني والاستقرار في المنطقة مما دفع نتنياهو لزيارة روسيا ولقاء بوتين وتجديد الحديث عن الحرب.
إن تداعيات هذه التحولات تضع المنطقة والعالم بحالة ترقب شديد لمخاطر العملية التفاوضية وتحولاتها، وقد تكون تكلفتها اكبر من النزاعات وويلاتها والتي قد تتطلب حروبا من اجل تعزيز الأوراق التفاوضية وتجعلنا نتهيب اللحظة السياسية والعسكرية والأمنية الراهنة، وان ننتقل من المراهنات والتحليلات والاصطفافات إلى المتابعة الدقيقة للتطورات العملية التفاوضية ونتائج الانتخابات الإسرائيلية، وصولا إلى الجمعية العامة ولقاءاتها وموضوعات المفاوضات وفي مقدمتها امن مضيق هرمز وأطرافها التفاوضية، دول الخليج وايران والمجتمع الدولي، ثم امن المشرق العربي وأطرافه العربية، مصر والأردن والعراق مع الروسي والأميركي والفرنسي الأوروبي والإيراني والتركي والإسرائيلي. وهذا محور ساخن جدا وقد تكون الحروب احدى أدوات التفاوض وصولا إلى مسألة السلام في الشرق الأوسط وانخراط ايران فيها والانتقال من سرديات الصلح المنفرد ومبادرات السلام العربية وصفقة القرن، والعودة إلى أطروحات المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط لتشمل تركيا وايران ودول جنوب غرب آسيا (الأسكوا)، وخصوصا أن نكبة فلسطين لم تعد الوحيدة بعد أن تراكمت النكبات على النكبات، وبذلك تكون المنطقة مع إقالة بولتن قد دخلت مرحلة من الدبلوماسية الحامية أو حروب المفاوضات.
https://telegram.me/buratha