المقالات

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّادِسةُ (١١)


 

                       نــــــــــــزار حيدر

   ما هو سرُّ المِهنة الذي انتصرت بهِ عاشوراء على الرَّغمِ من كلِّ ما شهدتهُ كربلاء؟!.

   ما هو السِّرُّ الذي تميَّزت به عاشوراء لتبقى حيَّةً على مرِّ التاريخ على الرَّغمِ من كلِّ مُحاولات الطَّمس والتَّشويه والتَّشويش التي قادتها سُلطات وأَنظمة وحُكَّام وجيوش إِليكترونيَّة؟!.

   ما هو السِّرُّ الذي جَعَلَ عقيلةَ الهاشميِّين زينبٍ الكُبرى بنت عليٍّ (ع) أَن تكونَ واثقةً من نفسِها كلَّ هذه الثِّقة العظيمة، فتتحدَّى [المُنتصر] وهي أًسيرة بيدهِ فيُصدِّقُ الله تعالى تحدِّيها؟!.

   تقولُ لَهُ {فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جَهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميتُ وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيُك إلاّ فَنَد؟ وأيَّامك إلاّ عَدَد؟ وجمعك إلاّ بَدَد؟}.

   إِنَّهُ الصِّدق.

   يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ(ص) نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالاْخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ، وَأَيْمُ اللهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً!}.

   نعم، إِنَّهُ الصِّدق.

   الصِّدقُ مَعَ الله، والصِّدقُ مَعَ الذَّات والصِّدقُ مَعَ النَّاس والصِّدقُ مع القِيم والمبادئ التي ينهض ويُضحِّي المرء من أَجل تحقيقِها.

   لقد مثَّل الحُسين السِّبط (ع) قِمَّة معاني الصِّدق هَذِهِ، فهو كانَ صادقاً عندما رفضَ البيعة للطَّاغية، وكانَ صادقاً عندما أَعلن عن مُنطلقات ومبادئ وأَهداف قيامهِ وخرُوجهِ، وكان صادقاً عندما دعا النَّاس للتَّضحيةِ، وكان صادقاً عندما ضحَّى بالغالي والنَّفيس.

   ولقد عوَّضهُ الله تعالى عن هذا الصِّدق بأَن حفِظ عاشوراء من التَّزوير وكربلاء من النِّسيان والحُسين السِّبط (ع) من الإِندثار.

   ولَم يكن سهلاً أَن يُثبت الحُسين السِّبط (ع) صدقهُ للرَّأي العام الذي كان يشكِّك ويشكُّ في كلِّ شَيْءٍ، بسببِ الظُّروف السياسيَّة والإِجتماعيَّة، وبسبب الإِرهاب الأَموي الذي زرعَ الخَوف في نفوسِ النَّاس، وبسبب التَّزوير والتَّدليس الذي تعرَّضَ لَهُ الدِّين ومصادرهُ الأَساسيَّة، والقُرآن والحديث النَّبوي الشَّريف وأَهلُ البيتِ (ع) [عِدلُ الكِتاب] لولا أَنَّ الله تعالى مكَّنهُ من ذلك وهيَّأَ لَهُ كلَّ الظُّروف والمُقدِّمات ليُثبت للأُمَّة صِدْقَ الحُسين السِّبط (ع) وكلَّ من استُشهد وحضرَ في كربلاء في عاشوراء، كما مكَّنَ ليوسُفَ (ع) ليظهرَ صدقهُ للرَّأي العام بعدَ مُعاناةٍ عظيمةٍ.

   يَقُولُ تعالى {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

   ولقد شاءَ الله تعالى أَن يكونَ الثَّمن غالياً جدّاً يدفعهُ الأَنبياء والرُّسل والأَئمَّة (ع) قَبْلَ أَن يُثبتُوا للنَّاسِ صدقهُم.

   يقولُ الله تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

   وليسَ المقصُود بالفتنةِ والبلاءِ ليعلمَ الله تعالى صِدقنا من كذبنا ليميِّز بين الإِثنَين، أَبداً، وإِنَّما المقصود هو بيان الصَّادق عن غيرهِ بمثلِ هَذِهِ الفِتن للنَّاسِ ليكونَ حُجَّةً لهُم وعليهِم، ولقد كان الحُسين السِّبط (ع) أَعظمُ مصداقٍ لهذه الآيةِ الكريمةِ عندما ثبُت للأُمَّة بأَنَّهُ كانَ صادقاً في كلِّ خُطوةٍ خطاها عندما نهضَ ضدَّ الطَّاغوت، وبالتَّالي فهو المِصداق الأَبرز لقولِ الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

   فمَن لم يكُن مع [الصَّادق] الحُسين السِّبط (ع) فهو بالتَّأكيد مع [الكاذب] الطَّاغية يزيد بن مُعاوية، إِذ لا توجد منطقةً وُسطى بين الصَّادق والكاذب في هَذِهِ الحالة. 

   ٩ أَيلول ٢٠١٩

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك