عادل الجبوري
تشهد العاصمة العراقية بغداد هذه الايام حراكا سياسيا ودبلوماسيا لافتا، عناوينه متعددة، وشخوصه مختلفة، وموضوعاته متشابكة ومتداخلة.
رؤساء برلمانات ستة عشرة دولة اسيوية اجتمعوا يوم الاربعاء، الرابع من شهر ايلول/ سبتمبر الجاري في بغداد، في اطار المؤتمر الدوري للجنة الدائمة للتخطيط والموازنة في الجمعية البرلمانية الاسيوية.
ومثّل المؤتمر، فعالية سياسية مهمة، عكست اكثر من حقيقة، لعها ابرزها واهمها، ان العراق تجاوز المنعطفات الخطيرة والمحطات الحرجة، وبات عنصرا فاعلا ومؤثرا في محيطه الاقليمي، وقد عبر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي عن هذه الحقيقة في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر، وكذلك تناولها رؤساء وممثلي بعض الوفود المشاركة، في كلماتهم وتصريحاتهم.
وخلال الاعوام السبعة المنصرمة، احتظنت بغداد ـ رغم التحديات الامنية والسياسية الكبيرة والخطيرة التي واجهها العراق ـ فعاليات وملتقيات سياسية وامنية واقتصادية، لعل ابرزها مؤتمر القمة العربية في ربيع عام 2012، فضلا عن مؤتمر رؤساء برلمانات دول الجوار، ومؤتمرات التنسيق الاستخباراتي، وغيرها، والمؤتمرات والمعارض الاقتصادية والعلمية.
وطيلة هذه الاعوام، كان العراق في الوقت الذي ينجح بأجتياز العقبات وافشال المخططات والمشاريع التخريبية التأمرية، كان يعزز حضوره في شتى المساحات والميادين الاقليمية والدولية، ويهيأ المناخات والارضيات الداخلية المناسبة، ليكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة.
ولاشك ان تحقيق الانتصار التأريخي الكبير على تنظيم داعش الارهابي، خريف العام 2017، عزز ثقة المجتمع الدولي والمحيط الاقليمي بالعراق، ووفر فرصا وفتح افاقا واسعة ورحبة لحوارات بناءة حول سبل تعزيز امن المنطقة، وكيفية احتواء وتطويق الازمات التي تعانيها، واليات تنمية المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة ـ لاسيما في الجوانب الاقتصادية ـ بما ينفع الشعب العراقي والشعوب الاخرى.
ومن مؤتمر برلمانات الدول الاسيوية الى زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط لبغداد، لم تكن المسافة الزمنية والهدفية بعيدة، فأبو الغيط، الذي التقى كبار الساسة والمسؤولين العراقيين، جاء حاملا معه جملة ملفات شائكة ومتداخلة ومعقدة، مثل ملف الازمة اليمنية، وملف الازمة السورية، وملف التصعيد الاميركي ـ الايراني، اذ ان العراق، من جانب، يمتلك علاقات وقنوات حوار وتواصل مع مختلف الفرقاء الاقليميين والدوليين، ومن جانب اخر، يمتلك رؤي وتصورات واقعية وعملية للتعاطي مع الازمات، والتوصل الى معالجات وحلول بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات.
وطبيعي ان تبادل الزيارات بين بغداد والعواصم الاخرى، وعلى اعلى المستويات، والخوض بكل القضايا والملفات، يعبر في جانب كبير منه عن طبيعة موقع ومكانة العراق، والادوار التي يمكن ان يضطلع بها، مثلما تعبر المؤتمرات والفعاليات السياسية والدبلوماسية والامنية والاقتصادية الواسعة عن ذلك.
وتتحدث بعض المصادر الخاصة، ان الامين العام لجامعة الدول العربية، طلب من مضيفيه في بغداد، المساهمة بقدر اكبر في العمل والتحرك السريع على كل الاطراف، من اجل نزع فتيل الازمات، وتجنيب شعوب المنطقة المزيد من الكوارث والويلات، من خلال استثمار منظومة العلاقات الايجابية للعراق مع الفرقاء والخصوم على السواء، وقد وجد تفاعلا وتجاوبا واهتماما عراقيا كبيرا بالنسبة لما جاء به وطرحه.
ولان دور ومكانة وموقعية وتأثير وحضور العراق، لم يتبلور من خلال جهد رسمي حكومي، ولم ينطلق من الغرف والقاعات الموصدة فحسب، وانما بواسطة المرجعيات الدينية، وقطاعات الرأي العام المختلفة، والحشد الشعبي ارتباطا بظروف وخلفيات تشكله وظهوره، والنخب المجتمعية المتنوعة، فأنه من الطبيعي جدا، ان يترتب على أي استهداف سياسي او اعلامي او عسكري لاي من هذه العناوين والرموز، مواقف حازمة وحاسمة، وذلك ما حصل حيال الاساءات والتجاوزات التي صدرت مؤخرا من قناة الحرة الاميركية ضد المؤسسة الدينية في العراق، الذي كان احد ابرز واهم اسباب ودوافع زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر للعراق، ولقائه بكبار صناع القرار فيه، وكان من بين ما اكده شينكر هو احترام بلاده للدور الهام للمرجعية الدينية.
ولو لم تدرك واشنطن اهمية وتأثير وحضور مجمل العناوين والرموز الدينية والوطنية العراقية، ومساهمتها في توجيه الامور بالمسار الصحيح، لما سارعت الى التحرك الدبلوماسي ـ السياسي على مستوى عال لتطويق ما ترتب ويترتب من تبعات واثار سلبية على حماقات "الحرة".
واذا كان حراك بغداد الدبلوماسي الاخير، هو جزء من حراك أوسع وأشمل، فإن انعكاسات ومعطيات الواقع تؤكد وتؤشر بوضوح الى ان مكامن القوة السياسية والامنية والمجتمعية هي من تصنع الحراك وتحدد مساراته واتجاهاته، ومساحاته وفضاءاته.
https://telegram.me/buratha