رضا جوني الخالدي
عندما رفض الأمام الحسين مُبايعة يزيد رفضًا قاطعًا، توجه من المدينة الى مكة سنة ٦٠ للهجرة، بعد ذلك خرج الأمام الحسين (علية السلام) من مكة قاصدآ كربلاء في الثامن من ذي الحجة في العام نفسه، وصل كربلاء في الثاني من محرم سنة ٦١للهجرة .
عندما وصل الحسين في ذلك اليوم اجتمع مع قومه قائلاً: انتم في حل من بيعتي، وهذا الليل فاتخذوه جملاً، آراد بذلك المُخلصين من قومه أن يقاتلوا بجانبه، لا الذين في قلوبِهِم خوفٌ أو شك، ليخوضوا معهُ معركة الطف الخالدة، كان موجهًا كلامهُ، للذين لا يستحقون الشهادة معهُ، رغم قول الحسين فيهم إلا انهم لا يجوز لهم تركه، وإن قال لهم أنتم في حل من بيعتي، لكن الذين تركوه فهموا القضية بهذا النحو، وبذلك فهم لا يستحقون الشهادة.
كانت عاشوراء اياماً مُظلمة، وهواجسٌ مُخيفة، وأرقام شهداء مرعبة، انطوت في أرض كربلاء حيث جسدها الحسين بأشلائه وأبناءه وأخوىنه ، انسقت ارض كربلاء دماءًا زكية، تعطرت بها أرض نينوى، رأت ذلك زينب بعيونها المغطاة ببرقع الحزن، هذه المجزرة الغاشمة التي انتهت بقتل كل أهلها من اخوانها وأبناءها ، كادت السماء تنطبق على الأرض جراء معركة اليوم التاسع، هول منظر الأجساد الممزقة والأيتام المشردة، وصيحات النساء الثكالى، والنار الملتهبة في الخيام وتطويق جيش ابن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن عيال رسول الله.
لم ينته اليوم التاسع هكذا فبعد مغيب الشمس أمر عمر بن سعد بأسر السبايا الى الكوفة، وكان مطلب النساء أن يأتون بهم الى أرض المعركة ليرنّ الشهداء، فمرن على جسد الحسين وابي الفضل العباس و علي الاكبر،
وأنت تقرأ تأمل وتخيل ذلك الموقف، مرت السبايا ولوعةٌ تتهجد في قلوبهم تنعى مقتلهم، سارت جبل الصبر ودموعها محبوسة في صدمة، وقلبها يتمزق تحت ضلوعها ، توجهت نحو اخيها الحسين و وضعت يدها تحت جسده ورفعت يدها الى السماء وقالت: " اللهم تقبل منا هذا القربان" هكذا كان حال كل النساء بين اخآ وابن وزوج.
هذا كان وجهاً من الحزن وبحراً من الألم حيث ابتعلت النساء فيه حسرات الشهداء ولوعات الأيتام وبان الشيب في أصغر محمدي،و التهب جرح قلب العقيلة واخذ يقتلها فلا يستأصل ولا يشفى، حيث تجرعت كل مصائب كربلاء في يومآ واحد ،والتهم ذلك اليوم كل قوتها فما عادت تتحمل فعندما وجه يزيد كلامه الى علي بن الحسين قائلاً: لماذا لم يقتلوك وامر بقتلة عندها قالت عقيلة بنو هاشم اقتلني أنا قبل أن تقتله.
اما الوجه الآخر لعاشوراء، عندما قال الحسين (علية السلام )
"أني لم أخرج اشراً، ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق،ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق" ، والله خيرُ الحاكمين،
فأشارة الحسين الى "الأصلاح في أمة جده " هذا هو هدف الثورة، هو التخلص من الحكم الآموي ورفض الأضطهاد وتحريف الدين،وسرقة أموال بلاد المسلمين،و استمرار تسلطهم على رقاب الناس، وسفك دمائهم وزرع الطائفية في نفوس المسلمين ، ورفض بقاء هكذا حكم يفرق بين الأخ وأخية ويقمع كل حريات المسلمين، ويسلب كل خيراتهم.
علاوة على ذلك، كانت هذه الثورة رسالة عظيمة، تعطي الأنسان اشارة بأن الحرية حق كلُّ فرد، ورفض الظُلم هو من صفات العدل الالهي، وكانت ثورة بمثابة قانون اثبته الحسين (عليه السلام) آنذاك ، يسير علية العالم بأسرة بأن الظلم لابد أن يُجابه بالقوة حتى وإن كلفكم القتال والأستشهاد دون هذا الدافع العظيم، وهذا ما تجسد في دفاعه عن الظلم وقدم القرابين من ابناءة واخوته واصحابة، وسبي اطهر نساء الكون ليضع هذا القانون السامي من رفض الظلم واثارة الفتن بين المسلمين.
علمآ أن الحسين قال لأهل العراق "أني الحسين بن علي وابن فاطمة (عليهم السلام) نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم فلكم في أسوة"
بين الحسين مركزه الاجتماعي ويلزمهم للأقتداء به، ويدعوهم للنيل من هذا الاضطهاد والوحشية الآموية، التي انكست كل الأحكام السماوية، واسفكت الدماء وانتهكت الحرمات، فأرادهم ان يعينوه لنصرة الحق، لكنهم بدل أن يخرجوا الى النور اختاروا البقاء في طيات الظلم والإستبداد الآموي.
عالج الحسين في تاسوعاء المرض النفسي والخوف والشك عند الناس، وسطر هو وعياله واصحابه اعظم البطولات والملاحم الخالدة لبقاء وحدة دين جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، والحفاظ على بيضة الأسلام، وترسيخ مبادئ رسول الله، حين كان الأعلام الآموي يُحرّف ويُضلل ما يشاء، ويتلاعب في الدين الأسلامي حسب رغباتهم، تصدى ابا عبد الله الحسين(عليه السلام) وقام بدوره الرسالي،
وبيان عمق الرسالة المحمدية، في يوم مؤلم، حتى استشهد هو ومن معه،
فسلامٌ عليه يوم ولد ، ويوم استشهد، ويوم يبعثُ حيا.
https://telegram.me/buratha