طيب العراقي
الفيلييون قومية منفصلة عن القوميات الأخرى، لكنها قومية إيجابية معطاءة، أعطت القوميات الأخرى التي تعايشت معها، بنفس القدر الذي أخذت منها، فتشابكت على الآخرين الصور، وأدعى كثيرون إنتساب الفيليين لهم لأسباب شتى، مرة لأنهم قوم معطائين إيجابيين، يشكلون إضافة نوعية لمن يدعي إنتسابهم له، ومرة لأنهم ذوي بأس وقوة شديدين، ويشكلون حمىً يتقى به في الملمات، ومرة لوفائهم المفرط، وإخلاصهم المنقطع النظير ومصداقيتهم المبدأية، فيصبحون مصدر عز لمن يأخذهم الى جرفه، ومرات لأسباب مجتمعية وسياسية، يكاثر بهم من يرد أخذهم الى صفه غيره.
الحقيقة الساطعة هي أن الفيليين أمة قائمة بحد ذاتها، فهم لهم لغتهم الخاصة بهم، وباتفاق الباحثين تعتبر الفيلية لغة مستقلة تماماً، واللغة الفيليه مازالت حية وتمارس كالمعتاد بين الأهالي في مناطق شرق دجلة في العراق الحالي، وهنالك تشابهاً وتداخلات كثيرة، بين الفيلية ولغة (گرميان)، بحيث يصح القول تقريباً، بوجود لغة فيلية مشتركة بلكنات مختلفة، لكنها مفهومة من سكان هذه المناطق.
الدراسات التشريحية المقارنة للبشر، تثبت أن الفيلين يمتلكون خصائص مورفولوجية متفردة خاصة بهم (المورفولوجيا هو علم الأحياء الذي يجمع؛ التشريح، علم الأنسجة، علم الخلايا، وعلم الأجنة)، وتستطيع أن تعرف الفيلي بمجرد أن تنظر اليه بسبب تلك الخصائص..
يمكن أن يكون الفيليين أقرب الى اللر من غيرهم، لكنهم ليسوا لراً بما يكاد أن يكون مؤكدا، لكنهما متشابهين بقدر كبير مورفولوجيا وسكانيا، بحكم شراكة الأرض والبيئة، وربما اللر من الفيليين وليس العكس.
الفيلييون ليسوا كوردا قطعا، لأسباب مورفولوجية واضحة، لعل أوضحها إختلاف تقاطيع جمجمة الفيلي عن الكوردي إختلافا بينا، فجمجمة الكورد مسطحة من الخلف والأنف كبير معقوف قليلا، الجبهة عريضة والوجه يكاد يكون مستطيلا، فيما الفيلي يتمتع بجمجمة مكورة من الخلف، بجبهة محدبة وأنف مستدق فوق الشفاه الرفيعة، ووجه بملامح مختلفة عن وجه الكوردي كثيرا، ويمكن أن نبسط الأمر الى أن الفيليين إخوان بالرضاعة للكورد، الذين هم بالأساس ليسوا شعبا نقيا ايضا، ولذلك تجد إختلافات بينة بين السورانيين والبادينانيين الكورد.
إدعاء إنتساب الفيليين الى الكورد، بالحقيقة كان لأسباب مجتمعية وسياسيةواقتصاديه وثقافيه وسكانيه معلومة، فالكورد إرادوا أن تقوى شوكتهم عددا، إزاء ظلم الحكومات المتعاقبة في المنطقة عليهم، فإدعوا إنتساب الفيليين والأيزيديين والشبك والكاكائيين والآثوريين المسيحين بل وحتى التركمان لهم، بغية أن يتحولوا الى كثرة عددية وجغرافية، تستطيع إنتزاع حقوق الكورد بها، وتحقق حلم مملكة كوردستان الكبرى، وهناك إستقواء متبادل بين الأطراف التي ذكرنا ذاتها وبين الكورد..لكن هذا لا يعني أن تذوب تلك الأقوام بالقومية الكوردية المحترمة.
مع التفهم للأسباب السياسية والمجتمعية الضاغطة، خصوصا في القرن العشرين، فإن الفيليين ليسوا عربا قطعا ولا يمكن أن يكونوا، ومن لبس العقال العربي منهم على رأسه، إرتكب ظلما بحق نفسه وقوميته، لأنه طمس بفعلته تلك، نسبا عريقا وأذابه بعروبة هو ليس منها، ولا يمكن أن يتوقع أن يعامله العرب كعربي مهما طال الزمان، وسيشار اليه دائما بأنه فيلي أو كوردي، مع جل إحترامنا للعروبة كوعاء للإسلام الذي يجمع كل قوميات المنطقة.
الأمة الفيلية هي الهوية الحقيقية للفليليين، شاء من يشاء وأبى من يأبى، ولسنا بحاجة الى إثبات ذلك، وعلى من يدعي خلاف ذلك تقديم الإثباتات، وستكون تلك "الأثباتات"، مجرد فرضيات تحتاج هي الأخرى الى "أدلة" علمية داعمة، وستكون إدعاءات فارغة من محتوى تماما.
إذا تفهم الفيليون أنهم أمة أصيلة، وأن ذلك يشكل أساسا غير قابل للتصرف، يكونوا قد وضعوا أقدامهم بثبات على طريق إنتزاع حقوقهم من غاصبيها، لأن غياب مفهوم الأمة ومحاولة إذابتها، كان هو بالضبط ما عملت عليه الحكومات المتعاقبة، وهو الذي شكل بداية المظلومية الفيلية التأريخية.
طريق إنتزاع الحقوق يبدأ من هنا، وعلى الفيليين وإنطلاقا من مفهوم "الأمة"، أن يبادروا بحراك واسع مستمر وقوي، وبمختلف السبل للضغط من أجل حقوقهم العادلة.
ما نعنيه بمختلف السبل، هي الخيارات المفتوحة، بما فيها الخيارات الجماهيرية الكبرى المفتوحة النهايات، لإجبار السلطات والقوى السياسية العراقية على إحترام الهوية الفيلية، والرضوخ والتسليم بحقوقها، وفي التفاصيل لدينا ما لا تتوقعه السلطات والقوى السياسية من وسائل، ولكننا واثقون من جدواها وإن كان بعضها مؤلما، وليفهموهما كيفما يشاؤون، لكننا عازمون على إنتزاع حقوقنا من بين عيون غاصبيها، بقوة الحق ومشروعية أدواته..!
ـــــــــــــــــ
1/9/2019
https://telegram.me/buratha