🖋ميثم العطواني
لم يحدثنا التاريخ عن فاجعة مثل فاجعة الطف، تلك الملحمة التي خاضها الإمام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم أجمعين، وذلك في يوم العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة، بعد أن أخذ البيعة وكتبوا أهل الكوفة الى الإمام الحسين يدعونه إليهم خليفة للمسلمين، فكتب لهم جوابا مع رسولهم وأرسل سفيره ابن عمه مسلم بن عقيل ليقف على مدى جديتهم، فلما وصل السفير إليهم إلتف حوله ما يزيد عن خمسين من زعماء الكوفة وأخذ عليهم العهد والميثاق بالبيعة لسبط النبي الحسين بن علي بن أبي طالب، ثم توالت الكتب الى الإمام من أهل العراق، وجاء كتاب سفير الحسين بالقدوم عليه بأهله، وعندما علم يزيد بن معاوية لعنة الله عليه وعلى من والاه ببيعة أهل العراق للإمام الحسين ارتعدت فرائسه خوفا على ملكه المغتصب، فهم الى عزل والي العراق وأناط المهمة الى اللقيط عبيد الله بن زياد حيث كان يعرف بالجشع وحب المنصب، فأول خطوة قام بها قتل مسلم بن عقيل سفير الإمام ومن ثم رماه من أعلى قصر الإمارة في مشهد دموي لإرهاب الناس، وكان رحل الإمام قد تحرك من الحجاز نحو العراق قبل واقعة مقتل سفير الإمامة، ومن هنا بدأ الخذلان، زعماء الكوفة لم يناصر مسلم إلا الشيبة الطاهرة هاني بن عروة، ومن ثم تخلى أهل العراق عن وعدهم خوفا من الطاغية يزيد بن معاوية.
واصل سبط النبي صل الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام أجمعين السير حتى وصل الى العراق وقد عرف بمقتل مسلم بن عقيل وموقف أهل الكوفة من سفير الإمامة وتخلي أهل العراق عن البيعة ولم يجد أحدا من أصحاب الوعود الكاذبة، وما كان من اللعين عبيد الله بن زياد إلا ان يبعث له بكتيبة فيها أربعة آلاف مقاتل يتقدمهم اللعين عمر بن سعد فالتقوا بمكان يقال له كربلاء، فألقى الإمام الحسين عليهم الحجة في إحدى ثلاث، إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب الى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه يذهب الى يزيد، فأرسل الطاغية ابن زياد الى المجرم عمر بن سعد أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايعه وبهذا يعني ليبايع يزيد أبن معاوية الحاكم الجائر الذي يفعل الموبقات ويلاعب الكلاب والقردة، فقال أبا عبدالله الحسين: "والله لا أفعل"، حينها تباطئ عمر بن سعد في القتال فأرسل ابن زياد شمر أبن ذو الجوشن عليه اللعنة وأوصاه إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتل الحسين وكن مكانه، فتحول بعض الجيش الذين كانوا مع أبن سعد الى صف معسكر الحسين ولما علموا من إصرار أولئك على قتل معدن النبوة وآثر أبن سعد الدنيا وخاف على منصبه، فحاصروا الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه حصارا شديدا حتى منعوا عنهم الماء لمدة ثلاثة أيام وسط أجواء ملتهبة بحرارة الصيف مما تسبب في معاناة العطش القاتل التي شهدها الأطفال الرضع في جريمة بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان على امتداد التاريخ.
وما أن كان يوم العاشر من محرم عاشوراء الحسين حتى تهيأ معسكر آل بيت النبوة والصحابة وعددهم واحد وسبعون يتقدمهم سبط الرسول الأعظم الإمام الحسين بن علي عليه السلام وقائد جيشه بطل الفرسان على مدى الزمان الإمام أبا الفضل العباس عليه السلام، وتهيأ جيش عبيد الله أبن زياد عليه لعنة الله والتاريخ بقيادة الملعون عمر أبن سعد ومعه أكثر من أربعة آلاف مقاتل بكامل عدة الحرب، وعلى الرغم من هذا العدد الكبير والعدة الهائلة إلا ان في معسكر الحسين فارسا جعل من قيادات العدو ان تحتار في أمرها وتتردد عن القتال بعد ان منع الإمام جيشه من الهجوم وقال أكره ان أبدئهم بقتال .. نعم أنه العباس بن علي بطل صفين فارس بدر وحنين، كافل العقيلة زينب، حتى أرسلوا قيادات اللقيط أبن زياد بعد ان سولت لهم عقولهم الخاوية مفاوضة الإمام العباس للإنسحاب من معسكر الحسين، وهنا أبا الفضل ثار عزمه وسل سيفه وبعد ان هدأ أخيه أبا عبدالله من روعه، قال ويحك يبن سعد أتمنيني بدنيا زائلة وقيادة خاوية من أجل ان أترك نصرة الحسين الغريب المظلوم، والله إنها المواقف الخالدة، كان جيش الإمام الحسين على الرغم من قلته إلا أنهم يتسابقون لتسجيل المواقف البطولية، وما ان بدأ هجوم الأعداء وقاتل أصحاب الإمام الحسين بين يديه حتى استشهدوا جميعا، وكان أول شهيد من أهل البيت هو علي الأكبر بن الحسين الذي كان أشبه الناس خلق وأخلاق بجده النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم، وتوالى استشهاد الأبطال جميعا مما جعل الإمام العباس ان يقصد الشريعة ليجلب الماء للأطفال الذين يضجون بالبكاء من العطش قبل ان ينبري للقتال، وعندما عاد نحو المخيم بعدما ملأَ القربة التي كانت عنده كل قطرة ماء فيها أثمن من حياته ليروي فيه عطش الأطفال والنساء، والتحم مع الأعداء في قتال شرساً أحاطوا به من كل جانب ليمنعوه من إيصال الماء الى عطاشى الحسين وأخذ يصول ويجول فيهم ويرتجز :
لا أرهـب الموت اذ المـوت زقا
حتى أواري في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا
إني أنا العبـاس أغـدو بالسقا
ولا أخاف الشر يــوم الملتقى.
وانهزمت الجيوش من بين يديه ولاذت بالفرار يطاردها الموت كل من صار أمامه، أنظر الى مضمون القيادة الذي يكنه أبا الفضل الى أخية أبا عبدالله ونكران الذات، فَمرة يكشف الجيش عن المشرعة ويملأ القربة ويغترف ليشرب الماء إلا انه تذكر عطش الحسين فأبى ان يشرب وقائده عطشان، ومرة أخرى يذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ولم يعلن بها بطل كربلاء، إلا ان أكمن له جبان من وراء نخلة ولم يقوى على مواجهته فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها، فأخذ يرتجز:
والله ان قطعتـم يميني .. انّي أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين .. نجل النبي الطاهر الأَمين.
وأخذ السيف بيده اليسرى وقاتل قتالاً منقطع النظير حتى صار قطيع الكفين ولم يجرؤ أحدا من الوصول له بعد أن أوقع في صفوف العدو مئات القتلى، فرماه لعين بسهم في عينه وتلته السهام الى جسده وفاضت روحه الطاهرة، وهنا الحسين عليه السلام يقف على جسد أخيه قائد جيشه أبا الفضل العباس، ويقول: "الآن انكسر ظهري، وقلة حيلتي، وشمت بي عدوي"، وتنادي العقيلة زينب أم المصائب أخي عباس يا كفيلي واضيعتنا بعدك، لم يكن أمام الحسين عليه السلام إلا ان يحمل على الأعداء ليفرق جمعهم ويقتل كل من طاله سيفه وهو ينادي: "أين تفرون وقد قتلتم عضدي"، فر جيش العدو وذعر قادته بعد ان صب الإمام فيهم غضب الجبار، حتى التف حوله أولئك الظلمة وسبط النبي يجول فيهم بالسيف كإنما هو من يتعجل الموت بعد أخيه العباس، حتى تقدم له رجل لعنه الله فضربه على يده اليسرى، وضربه آخر على عاتقه، وطعنه آخر بالرمح فوقع الإمام الحسين على الأرض مخضباً بالدماء شهدياً.
ويحدثنا التاريخ ان كل من شارك في قتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه أصابهم الجنون وأمرض وعاهات في الدنيا وأكثرهم مات ميتة سوء.
وعندما نستعرض واقعة الطف الأليمة في هذه الأيام، أيام عاشوراء الحسين، التي كان فيها كل موقف ينم عن العقيدة والمبادئ والقيم، نذكر بإن الإمام الحسين عليه السلام أرد فيها أن تكون دروس وعبر للأجيال، وإلا ما قيمة حب الحسين ومن يدعي الحب يبتعد عن نهج الثورة الحسينية !!، وما قيمة الحب بلا مبادئ وقيم !!.
وأخيراً، لاسيما وان القرار بيد من يدعون حب الحسين ونأمل ان يكونوا كذلك، هل فيكم من يحمل القربة ليروي عطش اليتامى والأرامل والفقراء؟!، هل فيكم من يرتجز ليقاتل من أجل أبناء الشعب المظلوم ؟!، هذا ما يريده سبط النبي فإن لم تكون كذلك عليكم لعنة الله بحق الحسين الشهيد.
https://telegram.me/buratha