طيب العراقي
تشيع في الأوساط الشعبية، ومنذ أمد بعيد؛ عبارة:"عراقيين ما تصير ألنا چاره"..!..فهل نحن كذلك؟!
للقاري غير العراقي نشير الى أن مفردة(چارة)، كلمة سومرية وصلتنا جيلا بعد جيل، وما تزال قيد التداول، وتعني (حل)!..
الحقيقة أن ظاهرة الانقسامات الخطيرة، ظاهرة قديمة ومتأصلة، في الحياة السياسية العراقية، تخفت أحيانا؛ ولكنها تعود لتظهر بقوة في أغلب الأوقات.
السبب في ذلك؛ أن العراقيين يعتقد الفرد منهم، أنه يفهم في أمور كثيرة، وليته أقتصر على الإعتقاد فحسب، بل أن أي منا يحول إعتقاداته الى تطبيق عملي!
العراقي إذا مرض؛ يذهب الى الصيدلية مباشرة، ويطلب من الصيدلي الدواء الفلاني، الذي وصفه لنفسه، والصيدلاني الذي تحول الى بقال، يلبي طلبه بلا نقاش!
العراقي إذا أراد أن يبني بيتا، يتناول ورقة وقلما، ويرسم خارطة وفق مزاجه، ويشرع بتنفيذها دون أن يفكر بأن هناك مهندسين، يمكنهم تقديم أفضل الخرائط والمخططات، ولذلك فإن مبانينا ومدننا تبدو هجينة مرتجلة، تفتقر الى روح الإبداع، على قاعدة "إزرع مخربش يطلع مطربش"!
هذا التوصيف ينطبق على مجالات عديدة من حياتنا، ومن بينها المجال السياسي؛ إذ أننا جميعا؛ نعتقد بأنفسنا قدرات ناجزة على التحليل السياسي، وفهم ما يجري حولنا، وبناء مواقف وفقا لذلك الفهم، كما يعتقد أي منا بأنه قادر على قيادة المجتمع، وتسيير المؤسسات الحزبية والجماعات السياسية، ولذلك نمت في المجتمع العراقي، مئآت التشكيلات السياسية والحزبية، ويفوقها عددا أضعافا، ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني، وهي الوجه الآخر للعمل السياسي والحزبي.
إعتقادنا بأننا قادة، أنتج الديكتاتورية الشخصية، التي أنتجت من بين صفوفنا ديكتاتوريات سياسية أقوى، وفقا لنظرية تنحي الأضعف لصالح الأقوى، فتكونت لدينا بالنتيجة؛ طبقة من القادة السياسيين، الذين يسعون لتنحية بعضهم بعض، فتولد هذا الإنقسام والتنافر الحاد، الذي يسود حياتنا السياسية!
وهكذا تتصادم الديكتاتوريات..! القادة السياسيون، ولأنهم يؤمنون بإفراط بفردانيتهم، وقدراتهم على صناعة القرار، ظنوا أنهم أنصاف آلهة، وفشت فيهم رغبة الاستئثار بالقرار والتحكم، والهيمنة الكاملة على جميع الشؤون، وسوق الناس إلى مصائرهم، كأنهم قطيع من الأغنام، وفقا للمنطق الفرعوني في السلطة متمثلا في: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)..
الديكتاتورية السياسية، والعظ على القيادة بالنواجذ، وكأنها ملكا عضوضا، ضمن إستراتيجية شاملة للحكم الأبدي، ونزعة البقاء في الإدارة والسلطة؛ أي أدارة وأي سلطة؛ إلى الموت، والتحكم في القيادة، أي قيادة حتى ولو كانت قيادة سيارة، وعدم إتاحة الفرص للطاقات الشابة والكوادر المؤهلة، مرض متأصل في النفوس!
مرض القيادة وهوسها، يفضي الى إنقسام الأحزاب والجماعات، ثم تقسيم المقسم نفسه مرة أخرى، ثم إعادة تقسيم ما هو مقسم أصلا.. وهكذا دواليك.
ـــــــــــ
شكرا 28/8/2019
ــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha