خالد الخفاجي Khalid.alkhafaji@yahoo.om
ما أن انتهى الرسول الأعظم (ص) من آخر حجَّةٍ حَجَّها وعاد راجعاً إلى المدينة المنوَّرة، حتى هبطَ عليه أمين الوحي جبرائيل عند غدير خم, حاملا رسالة السماء والتوصية بمبايعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) خليفة للرسول محمد (ص) والتأسيس لمرحلة مفصلية جديدة من حياة الأمة لما بعد انتقال الرسول (ص) للرفيق الأعلى.
ولو تجاوزنا إشكالية التشكيك بوصية الرسول الأكرم (ص) ببيعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وعن أحقيته بالخلافة من عدمها وغادرنا هذا الحديث برمته للبحث جليا عن أسس النظام السياسي وطريقة إدارة الدولة الإسلامية التي أرادها الرسول (ص), فإننا نكاد نجزم بان هذه البيعة لو إنها تمت لكانت إيذانا بتأسيس أرقى الأنظمة السياسية الإسلامية وتكون ولاية الإمام علي (ع) منارا لما يليه من الخلفاء والحكم بكتاب الله وسنة رسوله ونهج تربية بيت النبوة, وانه خير من يديم هذا الدفق الجارف من المبادئ والخصال الإسلامية الحميدة وترسيخها في إدارة الدولة.
لقد تولى الإمام علي (ع) الحكم بعد أن تخطته الخلافة لثلاث مرات والدولة في أسوأ حالاتها, فالعصبية القبلية عادت بقوة للدولة بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة, وفي سقيفة بني ساعدة نقضت الوصية واتفقت قريش على انه لا يمكن لبني هاشم جمع النبوة والخلافة معا, وكان هذا إيذانا بإقصاء رجالات الدولة وتهميش الرعيل الاول من الصحابة وترسيخ العصبية القبلية العنصرية, وقسمت الأمة إلى فئات وأجناس وقبائل وملل, قمته قريش وقاعدته الأغلبية المهمشة التي كانت صاحبة الفضل الأكبر في الدفاع عن الرسالة المحمدية ونشرها.
كانت ولاية الإمام علي (ع) حافلة بالفتن والاضطرابات والحروب, هي ليست وليدة المرحلة, فالرجل رجل دولة تجمعت فيه كل الصفات القيادية من قوة وشجاعة وبأس وورع وزهد وتقوى وعدل, ولكنها كانت تراكمات سياسات متعاقبة من الفساد والمحسوبية والصراع على السلطة ونقمة شعبية أدت إلى اتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم, ونخبة الانتهازيين والنفعيين رأت في ولاية علي (ع) إنها ستفقد كل امتيازاتها وسعت بقوتها لتأجيج الفتن والاضطرابات, ودولة عميقة في الشام كانت قوتها أقوى من قوة الدولة الشرعية, وهذا ما كان ليحدث لو إن الخلافة آلت إلى من هو أحق بها, وأدار الدولة وفق كتاب الله وسنته, وليس وفق كتاب الله وسنته ونهج الشيخين.
ومع استذكارنا سنويا بعيد الغدير علينا ان لا ننسى جوهر هذا العيد, وان نعيد بأفعالنا نهج الإمام علي (ع) في الحكم وخارجه, بدلا من التغني بالإسلام والحكم بنهج بنو أمية والعباس وبقية الحكام الظلمة, لقد كان اسم علي راية يلتف بها كل مغصوب, وصرخة يطالب بها كل طالب إنصاف, وملاذ الغاضبون على كل مجتمع باغ وكل حكومة جائرة بالدعوة العلوية كدعوة مرادفة للإصلاح. لقد تصدى بشجاعة بالغة لعمرو بن ود مرة بعد مرة والنبي يحذره من العاقبة التي حذرها فرسان العرب, اجلس انه عمر وهو يرد : وان كان عمرا ؟ .. انه صاحب القرارات المصيرية التي حتى وان أودت بحياته فلن يحيد عنها .. فأين حكامنا اليوم من شجاعته في اتخاذ القرارات وهم لن يجرؤوا على اتخاذ قرار يطال فاسد صغير اغتنى بفحش من المال العام المنهوب ؟ .. وأين منه في الزهد حينما دخل عليه هرون بن بن عنترة عليه بالخورنق في فصل شتاء وعليه قطيفة وهو يرعد من البرد وما عليه سوى قطيفة, فقال له يا أمير المؤمنين: إن الله قد جعل لك ولأهلك من هذا نصيبا وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ .. فقال والله ما أرزؤكم شيئا, وما هي إلا قطيفتي أخرجتها من المدينة. هي الفطرة التي جبل عليها في بيت النبوة, والتنشئة الطاهرة التي غرسها الرسول فيه منذ أن كان صبيا, وليس دهاليز المخابرات الخفية التي غرست الشعارات وعكست الأفعال.
لم يكن يوما كما نلحظه من حكام اليوم أفاقا ولا منافقا ولا غادرا حتى باعداءه وهو القائل (والله ما معاوية بأدهى مني, ولكنه يغدر ويفجر, ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس) هذا هو الإمام الذي يرفع رايته زورا كل طالب سلطة.
لم يكن تخطيه الخلافة لأربعة وعشرون عاما سببا للتآمر على الدولة كما هي الحال اليوم, ولكنه لم يكن سوى جنديا في حروب الردة أو مستشارا أمينا لمن سبقه في الخلافة حتى قال عنه الخليفة عمر بن الخطاب (رض): (لولا علي لهلك عمر).
كانت الولاية مسؤولية جسيمة حرص فيها على أموال المسلمين, ولم يتخذها إمبراطورية لحزبه وعشيرته وذويه, وقصة أخيه عقيل ومطالبته ببعض المال ليسدد ما في ذمته من ديون درسا بليغا في الأمانة والنزاهة ونظافة اليد. فمن من حكام هذا الزمن الأغبر والأكثر استغلالا لسيرة الإمام علي في دعاياتهم الخادعة المظللة تمتع بواحد من المليون من صفة واحدة من صفات الإمام علي (ع
https://telegram.me/buratha