المقالات

إشكالية الدولة والقبيلة..تضاد أم تلاقح؟!


طيب العراقي

 

هذا المقال يحاول الإجابة على سؤال مؤداه:هل يمكن بناء دولة عصرية في ظل القبلية المتصاعدة؟!

في سياق مقاربة تتلمس طبيعة العلاقة بين القبيلة كناظم اجتماعي، وبين الدولة كنظام وبنية عصرية للمجتمع، فإنه إذا كان من المفترض أن يتقلص نفوذ العشيرة لصالح سلطة الدولة، وأن يتحول الفرد الارتهان القبلي والمناطقي الضيق، إلى الشعور بالانتماء إلى كيان جامع، يحقق في كنفه المواطنة ، فإن الواقع إلى حد الآن يشير إلى عكس ذلك.

 فبعد مضي قرابة قرن من عمر الدولة الوطنية، مازالت القبيلة تشكل ظاهرة، ومازال العراقيون يتشبثون بها، لأضطلاعها بأدوار مهمة في حياتهم بالتكافل الاجتماعي وإصلاح ذات البين، ومعالجة مشكلاتهم، وأصبحت سلطة شرعية في المنظور والثقافة الاجتماعية، في ظل تراجع سلطة الدولة.

ما يعني أن أغلبية مهمة من السكان، لا ترى أنها معنية بشؤون الدولة، ولا تحس بروابط  ضرورية معها، بل إن الدولة في نظرها ليست إلا استنساخا باهتاً للإحتلالات السابقة، ووسائلها السلطوية من جباة الضرائب والغرامات، وأوامر التجنيد الإجباري، وهكذا تكرست القطيعة...

في مرحلة تأسيس الدولة لم يكن سهلاً أن يقتنع السكان بالإنصياع لنظام الدولة، وظلوا ينظرون الى ذلك بمنظار الشك، وهذا أمر طبيعي في المجتمعات العشائرية المعروفة بعنادها وإعتمادها في تسيير أمورها على الرؤساء التقليديين..

كان هذا نتيجة لعوامل تاريخية ومجتمعية أدت إلى تكريس عدم ارتباط المجتمع، بالمتغيرات الجديدة، مما حال دون توفر الشرعية الاجتماعية للدولة.

في عصر ما قبل الدولة كان الأفراد يلجأون الى قبائلهم لإستحصال حقوقهم، وكانت القوة هي خيار إسترجاع تلك الحقوق..ولذلك ساد مفهوم قوة الفرد من قوة قبيلته، وبتنا نسمع أن هذه القبيلة قوية، وتلك القبيلة ليست كذلك..

بتغير أنماط الإنتاج، وتأسيس مفهوم الدولة، تراجعت سلطة القبيلة وانحصرت في العلاقات الاجتماعية، وإنحسر دور رؤساء القبائل، وتراجع تأثيرهم في الحياة السياسية، وأقتصر في أغلب الأحيان على الوجاهة والمراسمية..

في الدولة العصرية حل مفهوم المواطنة محل الهويات الأخرى، ومع بقاء تأثير هويات الدين والطائفة والقومية، لكن الإستمرارا في ترسيخ بناء الدولة سيؤدي الى إنحسار هذه الهويات..حيث يحمل الجميع صفة المواطنة، متساوين في الحقوق والواجبات، يلجأون إلى القانون والدولة لحل نزاعاتهم وإستحصال حقوقهم..

رؤساء القبائل شخصيات مهمة، لأنهم يترأسون وحدة إجتماعية قائمة على علاقة الدم، تحصر الإرتباط العشائري في حدود ضيقة، ولا تتوفر على برامج غير البرنامج التكافلي المتوارث، صحيح أن القبائل كان لها دور في الحياة السياسية في العراق، لكن هذا الدور كان يتعلق بالزراعة والرعي، وكان للقبيلة موطن تمارس فيه نمط إنتاجها هذا، مما يتطلب حماية هذا الموطن من تعديات الغير في ظل ضعف الدولة، ولذلك كانت السلطة للقبيلة على أبنائها..

أفضل وسيلة لجعل نظام القبيلة منسجما مع حركة التاريخ، ليس بزجها في العمل السياسي من أجل تحقيق غايات وأهداف سياسية،مما يخلق مشاكل بين أبناء القبيلة الواحدة، وجعلها موضوعاً خلافياً يخضع للمصالح السياسية المتغيرة، بل في أن تتحول القبيلة الى مظلة اجتماعية، بتنمية وإبتكار أساليب عصرية قائمة على العقلانية، لاعلى ما يسود اليوم من مظاهر البذخ الذي لجأ إليه زعماء القبائل لتعويض فاقد السلطة لديهم، ومجالس العزاء وما تنفق فيها من أموال لإعداد الولائم الباذخة صورة سيئة للوجاهة القبائلية، ويفترض بزعماء القبائل مراجعة هذا المسلك بوسائل أكثر عقلانية وفائدة..

ـــــــــــــــــــــــــــ

شكرا 15/8/2019

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك