حسين فرحان
بعد سنوات طويلة من الفراق اتصل بي احد الاصحاب من الذين هاجروا في فترة الحصار ايام النظام البائد، وكان قد انتبه الى صفحتي على الفيس بوك فراسلني من خلالها يسألني عن الاحوال والاوضاع، وتبادلنا مواضيع شتى، وتذكرنا شيئا مما كنا قد عشناه معا قبل هجرته، فكان مما تناولناه ونحن نقلب صفحات تلك الذكريات بعض الاسماء لاشخاص لم يخطر ببالي أنه سيتذكرهم، فقد كانوا أناسا - بنظر الكثيرين- ممن هم على هامش هذه الحياة، سألني عن فلان المجنون وفلان الشهير بنوع من العوق وفلان الظريف وآخرين غيرهم، فأجبته عن بعضهم واعلنت عجزي عن معرفة احوال آخرين غيرهم، ما دعاني فيما بعد لأن اسرح بمخيلتي واتسائل ( يا ترى حقا اين هم الان ؟ ) ، ولماذا نتذكرهم أوننساهم متى ماشئنا ذلك ؟ .
ولو وضعنا تصنيفا معينا لطبقات المجتمع ووفق مقاييس الاكثر شهرة فسنجد أن لكل حي وزقاق او منطقة أيقوناتها البشرية اللطيفة التي تعد الاكثر شهرة بين اهلها وقد تفوق شهرتها على مستوى المنطقة والحي شهرة كاتب او محام او طبيب .
اتذكر بعضا منهم وهو يتجول بين دكاكين السوق، وهو يحمل بيديه اعواد البخور ويوزعها بشكل يومي على اصحابها مقابل ثمن بخس ولطالما يخرج من عندهم تاركا وراءه ابتسامة او ضحكة عالية .
وبعضهم كان معروفا بأن له مكان ثابت لايغادره في حر او في برد او في حال مطر ولم نكن نشعر بفناء عمره على هذا النحو الا بعد أن يخلو منه المكان او ان يذكرنا به صديق مغترب يقلب ذاكرته فيجد فيها ذلك الانسان المهمش ايقونة ورمزا لمدينته اجبره تكرار المشاهدة على العلوق في الذهن وان لم يكن هنالك تعامل مباشر معها .
هذه هي حياتنا في مدننا القديمة مع مابها من رموز عملاقة نستذكرها لنفتخر بها فهي تجبرنا أن نتذكر أشخاصا أن حضروا لم يعدوا لكنهم أن غابوا افتقدناهم بشعور غريب لا يخلو من الحزن ولنبقى نتسائل : أين هم الآن ؟
..................
https://telegram.me/buratha