المقالات

من يتذكر صافي ناز كاظم ؟!


طالب جبار الأحمد

 

لا أحسب أن أحداً لا يعرف الكاتبة والأديبة المصرية "صافي ناز كاظم"،.. ولكن من يتذكر اليوم مواقفها الشجاعة في الدفاع عن مظلومية شعبنا خلال سنوات المحنة المريرة؟..دعوني أُذكرّ من نسى.

في العام 1975 قدمت السيدة "صافي ناز كاظم" إلى العراق إثر ملاحقات نظام أنور السادات لمعارضي اتفاقية كامب ديفيد، كانت يومها تتصور أن بغداد هي دار السلام حقاً لكل العرب المُلاحقين في بلدانهم، وحظيت في بداية  إقامتها في العراق بحفاوة النظام السابق حتى أن صدام حسين استقبلها شخصيا ذات مرة في مكتبه حين كان نائبا لرئيس الجمهورية.

تولت تدريس المسرح والأدب الإنجليزي في الجامعة المستنصرية، وفي تلك الفترة، التي تغنى فيها أدباء وكتاب عرب بليالي بغداد في عهد الثنائي البكر- صدام، اكتشفت ببصيرتها الثاقبة وجهاً آخراً لمدينة ألف ليلة وليلة، وادركت بحسها الصحفي الإنساني قسوة المأساة وهي تتسلل مع زوار الفجر إلى بيوت العراقيين عندما أطلقت ماكنة النظام القمعية حملتها الشرسة للتبعيث القسري وخنق كل صوت لايهتف للطاغية ، وفي ظرف زمني قصير تناسلت أعراس الدم بشكل مخيف، وأخذ طوفان الرعب الدموي يجتاح كل شيء حتى وصل إلى قاعة درسها في الجامعة المستنصرية.

فوجئت الأستاذة صافي ناز بإعتقال اثنين من طلابها الأذكياء لمجرد الشك في ولاءهم للنظام،  وصُدمت لسياسة التمييز الطائفي ومشهد ترحيل الآلاف من العوائل العراقية قسراً وبطريقة لا إنسانية إلى إيران بدعوى وجود أصول فارسية لأفرادها تعود للقرن التاسع عشر!، ثم توالت الصدمات النفسية أمام كرة الدم المتدحرجة حتى بلغت ذروتها عند إقدام النظام على إعدام المرجع الشهيد محمد باقر الصدر(رض) وجعل عقوبة الإعدام تطال كل متعاطف مع جهة معارضة وحتى من يتندر بطرفة عن النظام !.

قررت صافي ناز كاظم حينها أن تقف إلى جانب الضحية في مواجهة الجلاد ، تخلت عن إمتيازاتها المادية في التدريس الجامعي، دافعت ببسالة عن طلبتها المعتقلين دون أن تجد من يتعاون معها، فقط لاذ الجميع بذل الصمت، غادرت بعدها البلد الذي تحول إلى زنزانة أسطورية تضم كل المواطنين والمقيمين، وبكل شجاعة وإصرارعملت على فضح "الخديعة الصدامية"، مثلما كشفت قبلها عن زيف "الخديعة الناصرية"، واستهلت شهادتها التاريخية عن ويلات العراق وجنون فرعونه بكتابها "يوميات بغداد" الذي صدر عام 1984 ، ثم توالت مواقفها وكتاباتها التي تكشف عن مصداقيتها وعمق حبها ووفاءها للعراق، البلد الذي يحلو لها تسميته ب "الطائر الجميل".

ربما يجهل الكثير من العراقيين هذه التفاصيل سيما من أبناء الجيل الجديد، وربما نسيّ كثيرون من معارضي النظام السابق وقادة "العهد الجديد" دور قلمها المؤثر في مقارعة الطغيان والديكتاتورية خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما لم يكن هناك بواكي للعراق الجريح.

كان المعارضون للنظام السابق لايجدون - في تلك الحقبة - من يصغي إليهم أو يقف إلى جانبهم في الإعلام العربي – إلاّ ما ندر- ، بل أن الكثير من الكتاب العرب تطوعوا في حملة النظام لتخوين المعارضة العراقية والتحريض على اجتثاث قواعدها الشعبية، وخانوا ضمائرهم في ما كتبوه لتبرير وتسويق حملات القمع والإعدام والإبادة الجماعية التي طالت العراقيين بوحشية لانظير لها في تاريخ العرب الحديث.

يقول الأديب المصري يوسف القعيد في كتابه "امرأتان وسبعة رجال" متحدثا عن دور الكتاب والمثقفين في صناعة وترويج "الظاهرة الصدامية" في العراق وتسويقها عربياً: "هناك مسؤولية تقع على المثقفين في صناعة الظاهرة، سواء مثقفوا الداخل العراقي أم الخارج من أبناء الوطن العربي الذين تخصصوا في الكتابة عن صدام حسين "القائد الضرورة"، وهذا أحد التعبيرات التي أطلقت عليه مبكراً جداً في كتب صدرت عنه في الخمس سنوات الأولى من حكمه، كتبها مؤلفون عرب سواء من الذين عاشوا في العراق، أو الذين كانوا خارجه".

كانت مهمة "الهؤلاء" شخذ السكاكين للقتلة، والإمعان في تدمير الضمير لدى الإنسان العربي، ولم يتغير المسار بالنسبة لهم حتى بعد سقوط نظام الطاغية عام 2003، وبدلاً عن الاعتذار للشعب العراقي ذهبوا بعيداً في شوط تزييف الوعي والتاريخ فأعربوا عن أسفهم وحزنهم على إعدام طاغيتهم، وأسبغوا عليه مرة أخرة صفات البطولة رغم هروبه المخزي أمام قوات الإحتلال.

حقاً لا أجد تعبيرا مناسبا عن هذا المشهد البائس أفضل مما قالته السيدة صافي ناز، في إحدى مقالاتها، عن مواقف أولئك الكتاب : "أنعِشوا الذاكرة التي ترى لحظة إعدام السفاح فتتأسف وتدين ولا تستعيد لحظات الموت الجماعي للشعب العراقي الذي لم يجد في لحظات محنته من يتفهم وجعه ويمد له يد المساندة".

تحية للكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم التي لاتزال تمسك بتلابيب الكتابة وتواصل الإبداع والعطاء لأمتها بعد تجاوزها سن الثمانين، أطال الله في عمرها، وكم أتمنى اليوم لو أن عينيها تكتحلان ثانيةً برؤية طائرها الجميل وقد أخذ يستعيد عافيته وقدرته على التحليق في سماء الحرية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك