محمد كاظم خضير
تعاني الأحزاب العراقية التي تريد الذهاب إلى المعارضة السياسية من اشكاليات عديدة من اهمها المستواها البنيوي الذاتي جملة من الإشكاليات النظرية و السياسية ويأتي في مقدمتها :
ـــ غياب الديمقراطية الحزبية والتي تتسم بها مختلف التشكيلات السياسية والحقوقية والمدنية في ممارستها السياسية الداخلية والبنية.
ومرد غياب الوعي الديمقراطي والممارسة الديمقراطية في البنى السياسية الحزبية الأحزاب العراقية لا ينحصر فقط في انعكاس تأثير الممارسة السياسية للنخب السياسية المسيطرة على الحياة السياسية الداخلية للنخب التي تريد أن تتحول للمعارضة ، لكن يمكن أن يكون مرد ذلك خضوع النخب السياسية والذهابة للمعارضةفي العراق إلى بنية إجتماعية واحدة تخضع في سيرورة تطورها إلى منظومة معرفية نصية مقدسة .
لم تستطع هذه النخب السياسية العراقية تحييد أو تجاوز هذه المنظومة ليبقى أثر الوعي الإجتماعي مترسباً في قاعها المعرفي ليكون لهذا الجانب من الوعي الإجتماعي الدور الواضح والجلي والمحدد في الممارسة السياسية حتى لو اختلفت المستويات والتوظيفات السياسية له. مما يستدعي التأكيد على أن كافة البنى الإجتماعية الجمعية منها والفردية ملوثة بشكل نسبي مما تعاني منه بنية الوعي الإجتماعي السائدة والمهيمنة.
ويتجلى المستوى الأخر في إشكالية المعارضة فى العراق تكوين الأحزاب التي تريد المعارضة البنية المعرفية المحددة للبنية السياسية لتشكيلات سياسية محددة والتي يمكن ملاحظتها من خلال إدعاء بعض هذه الأطراف أو الفاعليات امتلاك الحقيقية المطلقة ويتضح هذا من خلال تقديس النصوص المعرفية التي يفترض أن تكون موضوعياً ومن خلال قوانينها المعتمدة في التحليل النظري والممارسة السياسية كأحد الأشكال والمستويات المعرفية المساعدة في فهم وإدراك آليات التطور الإجتماعي بمختلف تطوراته وتغيراته في سياق تطوره العام ، وليست أياً من هذه المعارف والمرجعيات المعرفية قادرة على امتلاك الحقيقة النظرية والسياسية المطلقة لفهم السيرورة المجتمعية الراهنة بمختلف جوانبها ، وهذا يفترض بداهة ضرورة رفض القطع المعرفي مع باقي المنظومات المعرفية ، ...... ، لأنه وكما هو ملاحظ بأن جميع هذه المنظومات تحتمل إمكانية التنوع والتعدد والتفاوت والتناقض في فهم وتحليل الواقع الملموس الذي لا يمكن أن يخضع في تحليله ورسم سيرورة تطوره الشاملة إلى منظومة معرفية دوغمائية شمولية واحدة.
وفي هذا السياق ومن خلال فهمنا لآليات التطور المتنوع للمنظومات المعرفية التي واكبت في تطورها مجمل المتغيرات الإجتماعية يمكننا التأكيد على موضوعية وسلامة التنوعات والاختلافات النظرية والمعرفية في سياق المنظومة المعرفية السياسية ، التي ضمت في تضاريسها المعرفية منظومات وميول فكرية وسياسية متلائمة بشكل أو بأخر مع قاعها الإجتماعي ومعبرة من خلال فهمها الدينامكي للقوانين السياسية على إمكانيات توظيف المنظومة
السياسية في فهم وتحليل آليات التطور الإجتماعي الذي توطد من خلال الترابط الجدلي بين الفكر المتحرر من الدوغمائية النصية المتحجرة و الجامدة التي تفترض موضوعياً جراء التطور الإجتماعي الموضوعي التغيير في البنية النظرية ذاتها ، وذات المنظومة معرفية التي تأسست على إمكانيات التغيير والتطور في بنيتها الداخلية عبر منظريها الأوائل .وهذا لا ينطبق على كافة المنظومات المعرفية ذات العمق والبعد السياسي في العراق ، أو المنظومات المعرفية المتحولة جراء تغير المناخات الإجتماعية إلى الحقل السياسي .
إن هذه النزوع أو الميول تشترك فيها معظم النخب السياسية العراقية ويمكن أن يكون هذا بفعل تشارك أو تضافر مجموعة من العوامل.
: احتمال البنية النظرية ذاتها نشوء ممارسة سياسية تقود إلى تقديس الفكرة وممثلها والتي تكرست من خلال المركزية المتفاقمة والتي أدت بغياب الرقابة والمحاسبة إلى تضخم النزوع البيروقراطية وتفشي ظواهر الفساد وعدم ارتباط الممارسة السياسية بالمنظومة القيمية والمعرفية بمستوياتها الإيجابية/ إضافة إلى تزايد تأثير النخب السياسية المسيطرة والتي اعتمدت الخطاب الديني بما يخدم استمرار سيطرتها.
ويمكن أن يكون غياب الممارسة الديمقراطية على المستوى الإجتماعي و البنية المعرفية للوعي الإجتماعي سبباً في انحسار الخطاب الديمقراطي في مستواه النظري والخطابي ، وبالتالي عدم امتلاكه القدرة والإمكانية الموضوعية على تجسيد المقولات الديمقراطية في الممارسة السياسية والإجتماعية اليومية .
وكذلك تكمن جدلية المعارضة في العراق , في مواطن التشابه بين فلسفة السلطة والحزب السياسي الذي يفترض فيه تجسيد الديمقراطية, حيث نلاحظ أزمة القيادة الحزبية والانفراد السلطوي داخل هياكل الأحزاب الذهابة للمعارضة حيث باتت تجسّد الدكتاتورية في حدّ ذاتها, وهذا من منطلق تمسّك غالبية القياديين في أحزاب الذهابة المعارضة في العراق بالبقاء على هرم الحزب دون منح هامش للمشاركة والتجديد والتداول على سلطة الحزب.
من هنا يبدأ البحث عن حلّ جذري وجدّي في إشكالية الأحزاب السياسية, سواء على مستوى الحدّ من مشكل التضخّم الحزبي, وكذا تقنين العمل الحزبي من زاوية بعث إستراتجيات لتفعيل دور المؤسسات غير الرسمية, وإشراكها في تصميم السياسات التنموية, مع تطوير وتنمية روح الرقابة الذاتية في عملية تسيير وهيكلة الحزب السياسي, وفتح مجال للتداول السلطوي الداخلي, وتشبيب على مستوى قياداته وتبنّي أسلوب توافقي بين الأحزاب السياسية لضمان خدمة المصلحة العامة كقاعدة عامّة, على الأقل في مرحلة ما بعد الوضع القائم حيث ستشهد العراق فترة نقاهة على مستوى الساحة السياسة .
https://telegram.me/buratha