ميثم العطواني
وجدتُ بغداد ولم أجد الشعراء ولا صورهم، رأيت الزمان الخالي من ضوعه العطر !. يا ألف ليلة !! لم تكن واحدة، مكملة الأعراس ان تجد، وحتى لم يجد وجهاً ليغسله القمرُ .
الرجل الذي زارني في المنام لم يكمل القصيدة الرائعة، وما كان منه إلا ان شق كفنه وصاح بصوت عال، أنا جئت من وادي السلام الى مقبرة، ان لاعبها الفساد تنكسرُ . صيفاً ولفح الحر حملني، تبخر ما يندى به الزهرُ . حقاً عجبت لأمر هذا الميت!!
سألته متردداً، وما أدراكم أهل القبور بحالنا؟!، فأتكئ على ركبتيه منحنياً، وأجابني: وهل هناك أموات غيركم ؟!، شعب تُسرق حقوقه أمام أنظاره وتحت مسامعه وهو يقبّل أيدي السراق ويهتف لهم بعبارات ما أنزل الله بها من سلطان، ليبتسم ابطال الفساد بابتسامات عريضة مليئة بالمكر والخداع ويشعرون بالنشوة كلما تصاعدت تلك الهتافات، اذا تحدثوا عن الوطن وهم بعيدون عن الوطنية صفقوا لهم، واذا تحدثوا عن السياسة وهم في قمة العهر الموصولة الى الصهر صفقوا لهم.
جلس أمامي، وبنظرة شاحبة وصوت صار ينخفض كلما واصل الحديث، قائلاً: هل تعلمون ان قبل سنوات سُئل متحدث أممي عن مقدار الراتب الذي يتقاضاه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، فكان رده بأنه "لا أحد يقوم بمثل هذا العمل العظيم من أجل الحصول على المال، إلا ان الأمر يبدو غريباً إغداق المال على رؤساء ومسؤولين وهيئات ومؤسسات، بينما ترزح شعوبها تحت خط البطالة والفقر".
وهل تعلمون ان البابا فرانسيس الذي تولى منصب بابا الكنيسة ويشغل منصب رئيس دولة الفاتيكان لا يتقاضى أي راتب عن هذا المنصب؟، وان رئيس الأورغواي السابق خوسيه موخيكا الذي عرف بـ "الرئيس الأفقر في العالم" كان راتبه الشهري (١٢) الف دولار يتبرع بـ (٩٠%) منه للأعمال الخيرية؟، وان رئيس الوزراء البلغاري مارين رايكوف يقدر راتبه بـ (٢٢٥٠) دولارا شهرياً، ورئيس جمهورية بيلاروسيا لوكاشينكو يتقاضى(٣٣،٨٧٣) دولارا سنوياً، وان رئيس الهند براناب كومار مخرجي يتقاضى راتب مقداره (٣٢،٢١٦) دولارا سنوياً، وأن رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ يتقاضى (٣٩،٧٢٠) دولارا سنويا.
بعدها أطال النظر لي، وقال: أخبرني كم يتقاضى فخامة الرئيس؟!، ودولة الرئيس ؟!، وسيادة الرئيس ؟!، ومعالي الفلاني ؟!، والمستشار العلاني ؟! ..
حدثني عن أربع دورات إنتخابية أعطى الشعب صوته لكتل سياسية مختلفة الميول والتوجهات، جميعها تحمل شعار محاربة الفساد، إلا ان هذه البنية متشابكة ومعقدة المصالح بين أصحاب المعالي والساسة وكبار المسؤولين، مع إصرار الدولة التي لا تريد ان تفهم أنه كلما تأخر فتح الملفات، وجد الفساد فضاءات يتمدد فيها تكلف البلد مليارات الدولارات !!.
قبل ان أجيب على تساؤلاته، قال لي لا داعي ان تجيب، فحتى الموتى تعلم حجم الفساد!!.
https://telegram.me/buratha