محمد كاظم خضير ـ كاتب وباحث سياسي
لا أنتمي لحزب "الدعوه "، ولكني مع ذلك تابعت أعمال مؤتمرهم ا باهتمام كبير، لن يكون أقل من اهتمام الدعوين أنفسهم، سواء منهم من شارك في المؤتمر، أو من أكتفي بمتابعة أعمال المؤتمر من خارج المؤتمر .
تابعت أعمال المؤتمر باهتمام كبير، لأني أزعم بأني من الذين يتمنون النجاح لتجربتنا الديمقراطية المتعثرة حتى الآن، ومن الذين يؤمنون بأن هذه التجربة لن تنجح إلا بوجود أحزاب قوية. ومن هنا جاء سر اهتمامي بحزب "الدعوه "، والذي سيبقى ـ وحتى إشعار آخر ـ على رأس الأحزاب العراقية التي يمكن أن يُعَول عليها في المستقبل، وذلك لما يمتلك هذا الحزب من قدرات هائلة، ومن فرص عديدة، لم يتم استغلالها ـ حتى الآن ـ استغلالا كاملا. وإن حرص على نجاح المؤتمر لدعوة ، والذي أدعي بأنه ليس أقل من حرص الدعوين أنفسهم، سواء صدقوا ذلك أو لم يصدقوه، هو الذي جعلني أتقدم بهذه الورقة كمساهمة من خارج الحزب في مؤتمرهم.
وسأكتفي في هذه الورقة المعدة على عجل، بتقديم بعض المقترحات دون ترتيب أو تبويب، وذلك من خلال النقاط التالية: أولا، على الدعويين بعد مؤتمرهم أن يضعوا أهدافا محددة وواضحة للحزب خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك حتى يكون بالإمكان محاسبة القيادات الجديدة في نهاية مأموريتها، محاسبة دقيقة على أسس ومقاييس واضحة ومحددة. فعلى المؤتمرين أن يحددوا الموقع الذي على الحزب أن يحتله خلال السنوات الخمس القادمة، فهل يريدون للحزب أن يحتل المرتبة الأولى أم الثانية أم الرابعة أم؟ وإلى أي رقم يجب أن يصل عدد المنتسبين للحزب؟ وكم من المجالس محافظات التي سيسعى الحزب لترؤسها؟ وكم من النواب والمحافظات على الحزب أن يتحصل عليه في الانتخابات القادمة؟
ثانيا، على كوادر حزب الدعوة بعد مؤتمرهم أن يضعوا آليات واضحة لتجسيد البعد الأخلاقي في العمل السياسي للحزب، والذي يجب أن لا يظل مجرد شعار يتم الحديث عنه بمناسبة أو بغير مناسبة. إن البعد الأخلاقي يجب أن يصبح سلوكا في كل فعل سياسي يقوم به الحزب، ولن يحصل ذلك إلا من خلال
: 1 ـ إن على الدعويين أن يخرجوا بقرارات واضحة تجرم استخدام العبارات البذيئة أو الاستعانة بأي كلمة سب أو شتم ضد أي خصم سياسي مهما كانت طبيعة ذلك الخصم، وعليهم أن يوضحوا لبعض الشباب المتحمس بأن استخدام مثل تلك العبارات يعتبر إهانة للحزب، من قبل أن يكون إهانة للخصم. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يُظهر الحزب أي ضعف أثناء مواجهته لخصومه السياسيين، فكل ما في الأمر هو أن هناك فرقا كبيرا بين الحجة القوية والجرأة على التلفظ بالكلام الجارح والبذيء.
2 ـ على الحزب أن يبتعد مستقبلا عن كل ما يمكن أن يفهم منه أنه قد يكون تذبذبا في المواقف، أو يمكن أن يفسر على أنه مجرد سعي لتحقيق مصالح حزبية ضيقة وآنية ( المشاركة في حكومة مطبعة، الترشح للبرلمان بصفة مستقلة من خارج عباءة الحزب ، التنسيق مع الأحزب الحاكم في الانتخابات القادمة ....)
. 3 ـ لا شك في أن حزب الدعوة يقوم بجهد تطوعي وخيري متميز من خلال منظمات ذات صلة بالحزب، ولكن ذلك لا يكفي لوحده لإضفاء بعد أخلاقي على العمل السياسي للحزب. ولذلك فعلى كوادر حزب الدعوة أن يخرجوا بعد مؤتمرهم بنظرة مختلفة للعمل السياسي، تنظر إلى ذلك العمل بوصفه ليس إلا مجالا فسيحا من مجالات العمل الخيري والتطوعي، وأن الغرض منه ليس تحقيق مصالح خاصة آنية، وإنما الغرض منه تحقيق مصالح عامة من خلال التضحية بمجوعة من المصالح الخاصة. ومن هذا المنطلق فقد يكون من المهم جدا أن يكون من متطلبات العضوية للحزب، استعداد العضو للتبرع بساعة من وقته كل أسبوع، أو كل شهر للخدمة العامة، وهو ما سيمنح الحزب القدرة على تنظيم أنشطة تطوعية ودورية خاصة بالحزب، وتقتصر المشاركة فيها على المنتسبين العلنيين للحزب.
. رابعا : أن يفكر المؤتمرين في إيجاد آليات وصيغ تمكن من التغلب على المعضلة التي تعاني منها الأحزاب العراقية، والتي تتمثل في عدم قدرة تلك الأحزاب على التفكير من أجل الصالح العام، فمشكلتنا في هذا البلد هي أننا لا نستطيع أن نستغرق في التفكير لدقائق معدودة في قضية عامة، وأننا لا نستطيع أن ننتج أفكارا قابلة للتجسيد الميداني من خلال الوسائل والإمكانيات المتاحة، لذلك فمن الضروري جدا أن يضع الحزب آليات تشجع منتسبيه على البحث عن مثل تلك الأفكار، وعلى التنافس بين مناضليه من أجل الوصول إليها. خامسا : أن يفكر كوادر الدعوة في وضع تصورات وآليات تمكن الحزب من استقطاب منتسبين من خارج "حزبه التلقائية"، مع العمل الجاد من أجل استقطاب شخصيات وطنية شريفة من خارج "الخريطة" التقليدية للحزب، ذلك أن الحزب لا يزال غير قادر ـ رغم تميزه ونجاحه ـ على استقطاب مثل تلك الشخصيات. وفي المقابل فعلى الحزب أن يترك أبوابه مغلقة في وجه أي عراقي في سجله الوظيفي أي شبهة في مجال التسيير، أو شارك من قبل في أي نشاط قبلي أو جهوي علني له صبغة سياسية، أو عرف عنه أي توجه عنصري، أو أي دعوى عرقية ضيقة، أو عرف "بالخفة السياسية"، وبكثرة الترحال السياسي. إن هناك تغييرات عميقة تحدث الآن داخل المجتمع العراقي ستكون لصالح حزب "الدعوه "، إن تمكن الحزب بعد مؤتمرهم من قراءتها قراءة فطنة، وإن هو وضع الآليات والتصورات التي يمكن أن تساعد في استغلال تلك التغيرات استغلالا ذكيا. وإن من بين تلك التغييرات ما حصل من تطور في الوعي السياسي لدى العراقيين خلال السنوات الأخيرة، نتيجة للهزات العنيفة التي شهدتها البلاد، ونتيجة كذلك لما تشهده المنطقة العربية من تحولات كبرى. ومن بينها أيضا، أن النظام الحالي لعب ـ بقصد أو بغير قصد ـ دورا كبيرا في إضعاف دور رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ القبائل في التأثير على الحياة السياسية، وذلك بعد أن سلب منهم الكثير من الصلاحيات والامتيازات التي كانت تمكنهم من التأثير بشكل قوي على الحياة السياسية، وعلى المشهد السياسي في البلاد. إن الأخذ بتلك التغييرات، والعمل من أجل وضع الآليات اللازمة للاستفادة منها، يجب أن يكون على رأس أولويات الدعويين في مؤتمرهم ا. فهل سيستفيد الدعويين في مؤتمرهم من أخطاء الماضي، ومن التغييرات الحاصلة في المجتمع؟ ذلك ما أرجوه، وذلك ما أتوقعه أيضا. .
https://telegram.me/buratha