ميثم العطواني
يعد من أهم قيام الدولة بغض النظر عن شكل النظام السياسي الذي يقودها بحسب ما متعارف عليه في جميع دول العالم، هو قوة نظامها المؤسساتي، وان المنظومة السياسية مهما تعددت أنواعها تسعى الى الحفاظ على مضمون الدولة، وما هذا السعي إلا للمحافظة على بقاء النظام السياسي، كونه مرتبط ببقاء الدولة، وما ان ضعفت مؤسسات الدولة يضعف معها النظام دون أدنى شك، لذا تدعوا جميع الأنظمة للحفاظ على القانون ليكون بمثابة صمام الأمان للعمل المؤسساتي الذي يكون بدونه نظام الحكم أشبه بنظام "مافية" ذو سطوة ونفوذ، تحقق ما تريد وان كان بمخالفة القانون.
ما دعانا لكتابة هذا الموضع هو ما جادت به ذاكرة رئيس عرفاء الشرطة المتقاعد قبل أكثر من ثلاثين سنة، الرجل ذو الوقار والشيبة البيضاء، الذي حدثنا والابتسامة تعلوا محياه عن مسميات العملة النقدية العراقية، والمعادلة بينها، ابتداءا من العهد الملكي ومرورا بالحكومات المتعاقبة، ومن ثم صار يروي بعض المقتطفات التي اضحكتنا كثيرا، إلا انها تشير الى قوة القانون وتطبيق النظام، وبدأ يقلب بصفحات الذاكرة قائلا: "في تمام الساعة الحادية عشر من صباح احد الايام قبل مايقارب الخمسين سنة، ارتفع صوت آذن الظهر من احد جوامع العمارة، وكان قبل ساعة من موعده حسب توقيت المدينة، حيث أمر معاون مركز الشرطة ان يتم احضار المؤذن على الفور، وبالفعل خلال دقائق قليلة تم احضار رجل أعمى كبير في السن ترتعد جميع فرائسه من شدة الخوف، وتبين فيما بعد انه سأل بعض الشباب عن الوقت، ومن باب المزاح اخبروه ان الساعة الثانية عشر ظهرا، اذ لم يكن منه الا المبادرة لرفع صوت الآذن"، وختم روايته عن نظام المؤسسات وقوة القانون قائلا: "اعمى أَذن قبل الوقت لم يمضي ذلك حتى ان تم معرفة السبب الحقيقي"، ونحن نقول ان مؤسسات الدولة ينخرها الفساد، ومليارات الدولارات تنهب، دون اتخاذ ادنى اجراءات !!.
نائب يطل على الشعب من خلال شاشة التلفاز يعترف انه تقاضى رشوة بمبلغ قدره مليار دينار لغلق ملف احد المسؤولين المتورط في فساد مالي واداري!!، ونائب آخر يدفع ثلاثة مليارات دينار لتولي رئاسة لجنة نيابية من صميم واجباتها ان تكافح الفساد!!، ناهيك التطرق الى بيع المناصب والعلاقات التي تدخل في تعيين الوزراء والمدراء العامين مما ينعكس سلبا على اداء النظام المؤسساتي.
القرارات والقوانين شرعت لتحفظ المؤسسات، وما فاعليتها كي تبقى الدولة على قيد الحياة، لأن الدولة التي يختل نظام مؤسساتها تكون في طريقها الى الموت السريري ومن ثم الموت الحتمي.
الدول العاطلة عن العمل تعد هي الدول المتخلفة التي تراوح في مكانها دون ان تخطو خطوة الى الامام، بل سريعة التراجع في خطوات الى الخلف، والسبب الحقيقي الذي يكمن خلف هذا هو تعطيل مؤسسات الدولة، وأي خلل فيها سوف يؤثر على وجود الدولة، فاذا غاب القضاء العادل كثر الظلم، واذا تواطئت الدوائر الرقابية تضاعف الفساد، واذا تهددت الحقوق ساد منطق الغاب، واذا قل الاهتمام بواقع التربية والتعليم ازداد الجهل.
بعد سقوط النظام المباد بدأت مظاهرات شعبية في العراق، طالب فيها المتظاهرون بحقوق بسيطة من شأن أي دولة ان تكفلها لشعبها، أهم تلك الحقوق، تقديم الخدمات التي تحفظ كرامة المواطن، ماء، كهرباء، طرق ...، بالاضافة الى معالجة استشراء البطالة التي طالت حتى أصحاب الشهادة العليا، وما انعدام هذه الحقوق إلا بسبب الفساد الذي قضى على نظام المؤسسات.
الفئوية ونظام المحاصصة الحزبية أسهم في تعطيل العمل بنظام المؤسسات، وجعل من العراق بلدا عاجزا امام معالجة الفساد، وجعل الحكومات المتعاقبة بعد الإحتلال الأميركي حكومات معطلة.
ما لمسناه من استياء وسخط شعبي يعود الى تردي الخدمات، وارتفاع معدل البطالة، وتضخم نسبة الفساد المالي، بالاضافة الى اسباب اخرى، على الحكومة ان تكون جادة لمعالجتها في حال ما ارادت بقاء نظام الحكم، وبخلاف ذلك ربما تصل الأمور الى ما لايحمد عقباه.
https://telegram.me/buratha