قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
تجارب الشعوب ليست وقفا "ذُريا" عليها، وهي برسم الأنسانية؛ يمكنها النهل منها كيفما تشاء وأنى تشاء، تلك التجارب تفيد أن معظم الشعوب؛ تستفيد من عثراتها وسقطاتها، وتتجاوز بشجاعة آثار نكباتها، وتبني على ركام إخفاقاتها نجاحات باهرة، ولم تسقط في فخ مغادرة أصالتها أو قيمها وتراثها! على الضفة المقابلة؛ تقف أمم أخرى على النقيض من ذلك تماما، كأنما وضعت على عيونها ما يحجب النظر لواقعها، أو رؤية ما جاورها وعاصرها أو سبقها من حضارات، وبدت وكأنها فقدت أو تخلت صاغرة عن وجدانها الجماعي، فلا دافع ذاتي يدفعها، لأن تأخذ مكانتها المفترضة بين الشعوب المتحضرة، و صار همها الأول؛ هو أن تنظر الى أيادي الآخرين، متطلعة الى ما يجودون به من عطاء يتكرمون به عليها مقابل ثمن باهض هو كرامتها المسفوحة على مسطح الحاجة!
أبناء هذه الشعوب فقدوا القدرة على التفكير المنتج، وباتوا يستنسخون بسذاجة تقرب حد الهبل؛ أفكار الآخرين وإبداعاتهم..أنكى من هذا أن منها من لا يخجله، أن يفتح أفواه أبنائه؛ طلبا لسد حاجتهم من الغذاء في كل وقت وحين، وفي ذلك حتما ارتهان لمصائرها بيد الآخرين.
لقد كان في كل من اليابان وألمانيا والصين وإيران؛ نماذج عن أزمات عرفتها أمم؛ يختلف بعضها عن بعض كثيرا أو قليلا، لكنها تلتقي في أنها استوعبت جميعها دروس الماضي، وأيقنت أن صناعة مستقبلها كما تريده، يرتكز بالأساس على إرادة صلبة، وأن استغلال مواردها وثرواتها؛ ينبغي أن يتم بالتوازي مع استثمار الإنسان، فبه تنهض الأمم؛ وتتقد فيها جذوة بناء الذات، واستقلالية القرار، وسيادة الأوطان، بعيدا عن روح الإتكالية على الغير.
في المثال الإيراني المجاور؛ من الواضح أيضا أن أزمة الغرب مع إيران، ليست بسبب برنامجها النووي، أو تهديدها للسلم والأمن العالميين، كما تصدح بذلك آلة الدعاية الإعلامية الغربية، ولكن لأن الغرب يسوءه؛ أن يرى غيره يمتلك ناصيته بنفسه، دون أن يرتهنها عنده.
لقد صَعُبَ على الغرب وساسته؛ أن يتفهموا نهضة هذا البلد، واعتماده على قدراته الذاتية في الرقي، غير ان الرد الأيراني؛ ورغم كل النفخ الغربي في آلة التهديد والوعيد، جاء لا يحتمل التأويل: "نحن ماضون ولو كره الكافرون!"...
نحن العراقيين يجب أن نراقب جيراننا الأزليين؛ الذين أدركوا أن الأزمات كالنحل تلسع ولكنه ينتج العسل، وأنها تصنع الهمم؛ فتعلموا الكثير من أزماتهم، وأزمة برنامجهم النووي مع الغرب، ستزيد بالتأكيد في همتهم وترفع عزيمتهم، وإن كان الثمن سيكون باهظا.
كلام قبل السلام: لكي لا نعيش خارج حركة التاريخ، هل نعي أننا في أزمة؛ يمكننا أن نستثمرها كما أستثمر غيرنا أزماته للنهوض؟ أم أننا لا نفيق من رقدتنا، إلا على وقع الضربات التي توالت علينا حتى أدمنا عليها؟! وهل سنبقى بلا مشروع نهضوي، رغم المحن التي صنعناها بأيدينا، أو تلك التي وضعنا فيها غيرنا؟!
سلام...
https://telegram.me/buratha