طيب العراقي
لا يريد العراقيون أكثر من أن ينعم وطنهم؛ بنظام سياسي عادل؛ يكفل تحقيق آمالهم بعيش كريم، وبنظام حكم يحفظ جميع مصالح البلاد؛ التي نص عليها الدستور، بما فيها أن يتصف هذا الوطن بالديمومة والثبات، وأن يبقى موحدا لا يتعرض؛ الى تهديدات الإنقسام المجتمعي، أو التقسيم الى دويلات.
منذ أن تشكلت دولة العراق بشكلها الراهن، منذ عشرينيات القرن الماضي ولغاية اليوم، كان مفهوم الوطن الدائم الوجود؛ يتعرض الى إختبارات وهزات متتالية؛ بسبب تظافر عوامل داخلية وخارجية، كانت تسير بالوطن بإتجاهات مغايرة؛ لمنطق ما يجب أن يكون، لصالح ما هو كائن!
ما هو كائن كان يجري دائما؛ خلافا لتطلعات وآمال العراقيين طيلة 83 سنة، إبتدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920؛ وأنتهت في عام 2003؛ الذي شهد مسرحية هدمها؛ فطيلة ذلك الزمن الثقيل، كانت القوى الخارجية؛ تلعب على حبال بقاء العراق؛ قلقا في وضعية إهتزاز دائم، كي يتسنى لها التحكم بمقدراته، والهيمنة على ثرواته؛ التي كانت تلك القوى تعرف عنها، أكثر مما يعرفه العراقيين أنفسهم، فضلا عن أنها تعرف أن العراق، يمثل مفصلا حاكما في صراعات المنطقة، ولذلك لابد لها من أن تتحكم به وبمختلف السبل.
أول تلك السبل كان إنشاء نظام حكم، يكون بمقدور القوى الخارجية تسييره كيفما يشاؤون، وهكذا أنشأوا نظام حكم بمعادلة مقلوبة، حيث أقلية تحكم الأغلبية، وحيث تحتاج الأقلية الإستقواء بالخارج دائما، لضمان بقائها مستمرة في سدة الحكم، وحيث ألغموا العراق بطوله وعرضه؛ بمشكلات التنافر المجتمعي الذي غذوه بمختلف الطرق، وهكذا كانوا يسعرون النيران دائما في أرجاء العراق.
كان العامل الخارجي ولتحقيق مآربه، يدعم طرف على حساب طرف، وسرعان ما ينقلب 180 درجة، ليدعم الطرف المقابل ضد الطرف الذي كان يدعمه في مرحلة سابقة، حتى تستمر اللعبة!
هكذا بدلا من أن يتوحد العراقيين، تحت عنوان وطني جامع هو الدولة العادلة، تم زراعة لغم كبير قابل للإنفجار في أية لحظة، هو لغم التمايز العرقي والمكوناتي، وهكذا تشكلت القضية الكردية كأحد المشكلات المستدامة؛ التي تهدد وجود العراق كوطن لدولة قابلة للحياة، وأينما تيمم وجهك ثمة مشكلة تمايز عرقي.
فالتركمان لديهم مشكلة محاولات دائمة لإنكار وجودهم، والشبك الذين من الثابت أنهم قومية لها جذورها الخاصة بها، كانت تجري دوما عمليات قسرية لإذابة هويتهم، تارة في القومية العربية أيام النظام البعثي، وتارة في القومية الكوردية؛ عندما أمتدت سطوة الأحزاب القومية الكردية الى مناطقهم.
بنفس الطريقة تم التعاطي مع اليزيديين، الذي كان النظام الصدامي وما سبقه من أنظمة، يعتبرهم عربا من أصول أموية؛ وأنهم طائفة مسلمة، تحاول القيادات الكوردية جرهم الى ساحتها، للإستقواء العددي بهم، وذلك بتسميتهم كردا "أيزيين"، مع أنهم ليسوا عربا ولا كردا، بل هم بقايا أتباع ديانة قديمة؛ لا تقبل أتباعا جدد، فتشكلت منهم جماعة منغلقة على ذاتها، لها سماتها الخاصة بها هي "الجماعة اليزيدية".
كانت القوانين النافذة في الدولة العراقية، أحد أكبر أدوات لعبة التمايز العرقي والمكوناتي، فالفيليين الشيعة الذي يشكلون قرابة 10% من العراقيين، وهم جماعة عرقية لها سماتها الخاصة بها، جرى التعاطي معهم بطريقة إقتلاعية، إستنادا الى قانون الجنسية العراقي، الذي يشكل لغما من الألغام الكبيرة، التي زرعها البريطانيين المحتلين في جسد الدولة العراقية، فقد عد هذا القانون الغريب؛ العراقيين هم فقط أولئك، الذين حمل آبائهم وأجدادهم، جنسية دولة الإحتلال العثماني، وأستغل نظام صدام هذا القانون ابشع إستغلال، بقيامه بعملية كبرى لإقتلاع الفيليين بما هم شيعة؛ من وطنهم الذين كانوا هم بناته الأوائل.
دولة ما بعد 2003، والتي هدمت بموجب وثيقة إنشائها(الدستور)؛ كل أسس النظام السابق، تواجه اليوم تحديات كبرى، تتمثل بإستفحال مشكلات المكونات، وذلك لغياب فهم واقعي لجذور المشكلات، ولعدم توفر إرادة العدالة والحسم لدى أصحاب القرار، وعدم توفرهم على خرائط طرق لحلها، وأقصى ما يستطيعون أو يريدون فعله، هو الحلول الترقيعية التي تفتقر الى الجرأة والواقعية.
الحل بسيط جدا، وهو أن نعترف بالمشكلات ولا نهرب منها الى الأمام، وأن نقارب جذورها لا تفرعاتها، لكن هذا الحل يتطلب شجاعة تفتقر اليها القوى المتصدية للحكم حاليا، كما أن أصحاب المشكلات أنفسهم، لا يتعاطون مع مشكلاتهم بحجمها الحقيقي، فحولوها في أغلب الأحيان الى قضايا مطلبية، وفي أحيان أخرى الى مطالب شخصية بحتة، تمثل بالنسبة لكثير منهم غاية الأمل ونهاية السؤل..!
https://telegram.me/buratha