خالد الخفاجي Khalid.alkhafaji@yahoo.com
في خطبته الأخيرة حذر ممثل المرجعية الدينية في كربلاء السيد احمد الصافي، من انهيار لغة الحوار في الفضاءات الاليكترونية، وحث أولياء الأمور على متابعة الأبناء ومنع الأطفال من الإدمان على استخدام الأجهزة الالكترونية لساعات طويلة.
تحذير المرجعية دق ناقوس الخطر من تدني مستوى القيم الايجابية في المجتمع العراقي وشيوع ثقافة دخيلة على مجتمعنا بعد التغيير السياسي وما تبعه من تغيير مفاجئ في حياة العراقيين تمثلت في دخول التكنلوجيا الحديثة من هواتف نقالة وشبكة المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي, ووقوعها بيد الجهلة والمنبهرين من الذين لا يجيدون اختيار ما ينفعهم ويزيد من ثقافتهم ويرفع من مستوى عقلانية الحوار بينهم وبين الآخرين.
ومع تفتيت المجتمع العراقي إلى مكونات أثنية وعرقية وادعاء كل حزب سياسي تمثيله لطائفته او قوميته, ظهر نوع جديد من الانقسام المجتمعي الذي تغذى بالفكر المنحرف لهذه الأحزاب وجيوشها الاليكترونية, فانتشرت ثقافة القطيع الذي يتبع رنين أجراس المرياع دون تفكير كأحد ابرز افرازات هذه المرحلة, وتخندق مروجو الفتن وأصحاب الأغراض الدنيئة لإبراز الخلافات وتعميقها, وتجسديها بطريقة تنم عن جهل وتجاهل لمشاعر بعضا من الناس وإلغاء وجودهم, واستخفافا بعقول البعض الآخر انسجاما مع الأهداف السياسية لإبقاء العراقيين في شغل شاغل بهذا النوع من المناكدة تلهيهم عن مآلات الوضع في العراق, وانعكاسا للازمات السياسية إن لم تكن هي جزء من هذه الأزمات وعملية التسقيط السياسي بين الأحزاب.
لقد بان بشكل جلي بان الجهلة قد اتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي جبهة مناسبة للاحتراب متأثرين بصفحات ممولة تتبنى لغة الحوار اللاأخلاقي وتحوز على أعلى نسب من التفاعل, فازدهر التنابز الطائفي والسب والشتم للرموز الدينية لهذا المذهب او ذاك، أو لهذه القومية او تلك, فما يكاد موضوع يطرح إلا وتوجهت بوصلة النقاش لإثارة الفتن والأحقاد بتعمد ممنهج, ليصبح التخندق الرقمي وهبوط مستوى الحوار مجسدا للكثير من ظواهر الاقتتال على ارض الواقع ومنسجما مع طبيعة الأزمات السياسية وحالة الفقر والبؤس التي يشهدها المجتمع وانصرافه لقتل الملل والضجر بالانشغال في عالم رقمي افتراضي وهمي مع كل ما يحمله هذا العالم من مساوئ في جانبه السلبي, والملاحظ إن هذا الخواء اللفظي لا يصدر عن جهلة ومراهقين وحمقى وحسب، بل تعداه ليصدر عن مدّعي العلم والزاعمين إنهم يحملون على ظهورهم أسفاراً من الكتب والمفاهيم أيضا.
والسؤال هنا .. لماذا يتخندق العراقيون فيما بينهم كلما نعق ناعق وتلفظ بالقاذورات اللفظية ليشفي غليل هذا السياسي أو ذاك للبرهنة على إنهم من أنصاره وهم لا يجدون ابسط مقومات الحياة في ظل هذا السياسي ؟ ... ولم هذه المحاباة لامعات من أشباه المثقفين الذين استعان بهم هذا السياسي كمحاربين اليكترونيين لتجييش الطوائف بعضها ضد بعض, أو من يستميل المراهقين ويتنكر خلف اسم وهمي في مواقع التواصل الاجتماعي ليتهافت السذج بتعليقاتهم السقيمة تأييدا له ؟ ... وماذا عسانا أن نقول عندما نعلم إن الكثير من مروجي الإسفاف والسفالة قد بلغوا أرذل العمر وتقلدوا ارفع المناصب هم من يعتلي منابر التمزيق والتشتت، ويفترض أن تكتسي شيباتهم الوقار والحياء، أو على الأقل احترام ذاتهم والابتعاد والترفع عن الجدال العقيم والمراء السقيم، بدلا من تأجيج العوام المنغمسين في نار البغض والكراهية وتخصيص الأموال الطائلة من المال العام المنهوب لتجنيد أولاد الشوارع والمواخير الوضيعة لتسليطهم على كل من يدلي برأي مخالف او لتسقيط سياسي آخر لا يتوافق معهم في الرأي ومهاجمتهم بأقذع أنواع السب والشتم.
إن نظرة سريعة على بعض الصفحات الممولة والمعروف تبعيتها لأحزاب وشخصيات سياسية وما يتخللها من تعليقات وضيعة تمس كرامة وأعراض الآخرين تجعلنا على يقين من إنها السبب في انهيار لغة الحوار وان النهوض بالقيم المجتمعية وإعادتها إلى وضعها الطبيعي يبدأ بغلق هذه الصفحات من الجهات المختصة ومقاضاة من يقف خلفها, ووضع ضوابط صارمة للصفحات المؤثرة في المجتمع وتحميلها مسؤولية النشر وتفاعلاته ومراقبتها, وهذا كفيل في إعادة قيم المجتمع ورفع مستوى لغة الحوار.
https://telegram.me/buratha